جسمية العناصر إلى الهيولى.
قال أفضل المتأخرين : «هذه حجة تكلفناها لهم» (١) «وقد أوردتها على كثير من الأذكياء فما قدحوا في شيء من مقدماتها. ولكنّه قد عرض لي الشك بعد ذلك في بعض مقدماته ، فإنّ الجسمية ليست عبارة عن وجود الأبعاد بالفعل ، لأنّ الأبعاد من باب الكم ، ولا عبارة عن نفس قابلية هذه الأبعاد على ما يشعر به ظواهر الكتب ؛ لاستحالة كون قابلية الشيء للشيء أمرا ثبوتيا. ولأنّها لو كانت وصفا ثبوتيا لكانت من باب النّسب والإضافات ، فيمتنع أن تكون صورة مقوّمة.
فإذن الجسمية عبارة عن الأمر الذي لأجله حصلت هذه القابلية ، وذلك الأمر غير محسوس ولا معلوم بالضرورة ، فإنّ المعلوم بالضرورة هو هذه المقادير ، فأمّا وجود أمر آخر لأجله تحصل قابلية هذه المقادير فليس مدركا بالحس ولا معلوما بالضرورة.
فإذن لا يمكن دعوى الضرورة في كون ذلك الأمر مشتركا بين الأجسام كلّها ، لاحتمال أن يكون الأمر الذي لأجله كان هذا الجسم قابلا لهذه الأبعاد مخالفا بالنوعية للأمر الذي لأجله كان الجسم الآخر قابلا لها ، فانّه يجوز استناد الواحد بالنوع إلى الكثير بالنوع ، فلا يلزم من قولنا سبب وجود الشكل للفلك المعين هو جسمية الفلك اشتراك الشكل بين الأجسام كلّها. وإنّما غفل الناس عن هذه الدقيقة ، لظنهم أنّ الجسم هذه الأبعاد والمقادير ، ثمّ لمّا علموا أنّه لا اختلاف في طبيعة المقدار حكموا بأنّ الجسمية مشتركة فيها. فأمّا من يدعي أنّ الجسمية أمر وراء ذلك ، فإنّه لا يمكنه دعوى الضرورة في كون ذلك المعنى
__________________
(١) عبارة الرازي بعد ذكر حجّتين لابن سينا هكذا : «وهاتان الحجّتان هما اللتان ذكرهما الشيخ أبو علي وعوّل عليهما في إثبات الهيولى. وأنا كنت تكلفت لهم وجوها أخرى». المطالب العالية ٦ : ٢٠٢.