بعد توقّف (١) ، وفي إرسال أبي بكر وعمر أبا عبيدة الجرّاح إلى علي [رضى الله عنه] رسالة لطيفة ، روتها (٢) الثقات بإسناد صحيح تشتمل على كلام كثير من جانبين ، وقليل غلظة من عمر ، وعلى أنّ عليا جاء إليهما ودخل فيما دخلت فيه الجماعة ، وقال ـ حين قام من المجلس ـ : بارك الله (٣) فيما ساءني وسرّكم. فما (٤) روى أنّه لمّا بويع لأبي بكر وتخلّف علي والزبير والمقداد وسلمان وابو ذر أرسل أبو بكر من الغد إلى علي فأتاه مع أصحابه ، فبايعه هو ، وسائر المتخلّفين محلّ نظر.» انتهى قوله بألفاظه (٥). وقال فيه أيضا : «وتنعقد الإمامة بطرق ، أحدها بيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرؤساء ، ووجوه الناس [الذين يتيسّر حضورهم] من غير اشتراط عدد ، ولا اتفاق كلّ من فى ساير البلاد ، بل لو بايع واحد مطاع كفت بيعته (٦)».
ثمّ قال فيه : «طريق ثبوت الإمامة (٧) عندنا وعند المعتزلة والخوارج والصالحيّة خلافا للشيعة (٨) [هو] اختيار أهل الحلّ والعقد ، وبيعتهم من غير أن يشترط إجماعهم على
__________________
(١) «كان بعد توقف» قطة فى المصدر. وقال المحشى في الهامش : «رفع من هذا الموضع من المصنّف بياض ، مقدار ما يسع فى كلمتان»!
(٢) في المصدر : رواها.
(٣) «بارك الله» : أى بارك الله لي فيه ، ولا أذاقني مرارة تبعته في الدنيا والآخرة ، وامّا على رواية «لا بارك الله» كما في بعض الطرق ، فالمراد لا بارك الله لكم فيه. (منه).
(٤) أيضا في «الشرح» : «فقال : ما خلقك يا علي عن أمر الناس؟ فقال : عظمت المصيبة ، ورأيتكم استغنيتم برأيكم ، فاعتذر إليه أبو بكر ، ثمّ أشرف على الناس فقال : هذا علي بن أبي طالب ، ولا بيعة لي في عنقه ، وهو بالخيار في أمره ...».
(٥) «شرح المقاصد» ، البحث الخامس ، ج ٢ / ٢٠٩ ، ط مصر.
(٦) في متن «المقاصد» : «بل لو تعلّق الحلّ والعقد بواحد مطاع كفّت بيعته».
(٧) في المصدر : طريق ثبوتها عندنا.
(٨) عند الشيعة أنّ الامامة تكون بالاستحقاق الذاتيّ لها والتنصيص يكشف عنها ، وأهل السنّة ينكرون الاستحقاق الذاتيّ في جميع الأبواب رأسا ، ويذهبون إلى أنّ البيعة مثبة للإمامة ، لا كاشفة عن تحقّقها ؛ إذا عرفت ذلك فاعلمن أنّه لا يجوز أن يكون البيعة طريق ثبوت الإمامة ؛ والّا لزم أن يكون الزمان من حين موت النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ إلى وقت انعقاد البيعة خاليا عن الإمام ؛ وذلك باطل باتّفاق الامّة.
أمّا على مذهب الشيعة فلأنّهم لا يجوّزون خلوّ الزمان إلى قيام الساعة. وأمّا على طريقة أهل السنّة فلأنّهم يوافقون الشيعة في ذلك الى ثلاثين سنة ، لروايتهم عنه ـ عليهالسلام ـ : «الخلافة بعدي ثلثون سنة» ثمّ