الخامس : أنّ «س» كناية عن السويّة العدليّة والاستواء الاعتدالي ، والانسان مزاجه الجسمانيّ ـ لبدنه الهيولانيّ من تفاعل الصور النوعيّة وتكاسر الكيفيّات الفعليّة والانفعاليّة ـ أعدل الأمزجة الجسمانيّة وأفضلها وأقربها من الاعتدال الحقيقيّ ، ومزاجه العقلاني لنفسه المجرّدة ـ من تعادل أعراق الأخلاق القدسيّة وتقاوم اصول الملكات الملكوتيّة وتضاعف أشعّة الاشراقات العقليّة المنعكسة عليها من عالم الأنوار الفيّاضة ـ أعدل الأمزجة النورية وأبهاها ، وأقربها من النور الحقّ والبهاء [الف ـ ٦٠] الباهر.
وكما استقرّ جرم الارض في وسط عالم الأجسام ـ بتعادل أثقال الجوانب وتقاوم مدافعات الأطراف باذن الله سبحانه من دون عضادة الأساطين ودعامة الدعائم ـ فكذلك الانسان العارف المتقدّس المتألّه القائم بالقسط بجوهر نفسه الناطقة الّتي هى أرض زروع الحقائق ، وأمّ معادن الصور العلميّة والجواهر العقليّة ، فلذلك استواء تقاوم الأسماء والصفات وتعادل الأخلاق والملكات قارّ الاستقرار في وسط العالم العقليّ ، مستوى الوزن في كفّتى ميزان حقيقته الاستواء الاعتدالي والسويّة العدليّة بحسب استكمال نصاب كمال قوّتيه العاقلة والعاملة ، وكما قال اوميرس اليونانيّ «خير امور عالم الحسيّ وأعدلها ، أوسطها. وخير امور العالم العقليّ وأعدلها وأجملها وأفضلها ، أعلاها.» وفي الحديث عن باب مدينة العلم ودار مدين الحكمة مولانا امير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ : «كلّ شيء يعزّ ينزر ، والعلم يعزّ حيث يغزر (١)».
ثم من أسرار تطابق العوالم ما لا يزيغ عنه بصر المتبصّر العارف أنّه كما في الكتاب المبين الايجاديّ الابداعي المحتوي على رطب طباع الامكان ويابسه (٢) صدر بدء الفاتحة العقل وختم عود الساقة الانسان المتألّه المتقدّس الصائر بعقله المستفاد كتابا جامعا وعالما عقليا ، مرتبته فى الساقة مرتبة [ب ـ ٦٠] العقل الأوّل فى الصدر.
فكذلك في الكتاب الكريم الايحائي والمصحف المجيد التنزيلى على هذه السنّة ، حرف العقل أعني باء البسملة في الصدر ، وحرف الانسان أعني سين والناس في
__________________
(١) يغزر : يكثر.
(٢) اقتباس من الأنعام ، ٥٩ : «ولا رطب ولا يابس الّا في كتاب مبين».