السافلة من الحقيقة الانسانيّة ـ قد انمازه (١) عن أنواع عالم المكوّنات بحمائم (٢) المزايا وكرائم النعم ، واختصّ من بينها بلطائف البدايع وغرائب الحكم ، فجماهير الأطباء والمشرّحين أدركوا في تشريح بدن الانسان خمسة آلاف من المنافع والمصالح والغايات والفوائد ، وعدّدوها تعديدا وفصّلوها تفصيلا ، مع أنّ بضاعة قوّة الادراك البشريّ من المعرفة مزجاة ، وما اوتوا من العلم الّا قليلا (٣).
ومن المستبين أنّ جنبته العالية وطبقته الأعلى ـ أعنى النفس المجرّدة الملكوتيّة الّتي هي من تمامة اقليم القدس وقبّة أرض عالم العقل ـ أوسع وأتمّ بمراتب غير محصاة ودرجات غير محصورة ، كما قال معلّم المشّائين أرسطوطاليس (٤) في «اثولوجيا» (٥) النفس ليست في البدن ، بل البدن في النفس ؛ لأنّها أوسع منه. ومن أراد أن ينظر الى صورة نفسه المجرّدة فليجعل من الحكمة مرآة.
الرابع : أنّ السين أعني المائة والعشرين عدد ثلث الدور وقطر الدائرة بثلاث نقط من فوق ، تبلغ مرتبة الشين المعجمة ، أعنى الثلاثمائة والستّين ، عدد محيط الدائرة التامّة بدرجتها ، وكذلك النفس العاقلة الانسانيّة المفطور جوهر ذاتها [ب ـ ٥٩] في الفطرة الأولى على مرتبة العقل المنفعل الهيولائي تستكمل في الفطرة الثانية مراتبها الثلاث : العقل بالملكة ، والعقل بالفعل ، والعقل المستفاد بالاستفادة والاستشراق من العالم الأعلى ، فاذا بلغت فى الاستكمال النصاب الأعلى والمرتبة القصيا ، صارت عالما قدسيّا عقليّا مضاهيا للعالم الجملىّ الوجودىّ ، ومن حكم التنزيل الحكيم قول الكريم سبحانه : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ) (٦) على الاضافة إلى الفاعل ، أى رفيع درجاته ، لا رافع للدرجات ، وعدد رفيع «شين» أى والستّون.
__________________
(١) انماز : تميّز.
(٢) حمائم : معظمات.
(٣) اقتباس من الاسراء ، ٨٥ : «وما اوتيتم من العلم الّا قليلا».
(٤) كذا ، فالحقّ : أنّ مؤلف هذه الرسالة ، الشيخ اليوناني ، فلوطين.
(٥) راجع : «اثولوجيا» ، الميمر الثالث في تحقيق منزلة النفس في البدن ص ٤٥.
(٦) غافر ، ١٥.