التنبيه الرابع : تبين أن الاستعارة هي اللفظ المستعمل في غير ما وضع له ، لعلاقة المشابهة ، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي (١). أو هي : (مجاز لغوي) علاقته المشابهة ، كقول زهير :
لدى أسدٍ شاكي السلاح مُقذَف |
|
له لبدٌ أظفارُه لم تُقلَّم |
فقد استعار الأسد : للرجل الشجاع ، لتشابههما في الجراءة والمستعار له هنا : لفظ رجل (محقق حساً) ، وكقوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) ، فقد استعار الصراط المستقيم للدين الحق ، لتشابههما في أن كلا يوصل إلى المطلوب ، والدين الحق (محقق عقلا) لأنه أئر معنوي ، له ثبوت ٌ في ذاته وكقوله تعالى (كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور) أي : من الضلال إلى الهدى ، فقد استعير لفظ الظلمات للضلال ، لتشابههما في عدم اهتداء صاحبيهما ، ثم استعير لفظ الظلمات للضلال ، وكذلك استعير لفظ النور للإيمان ، لتشابههما في الهداية ، والمستعار له وهو الضلال والإيمان ، كل منهما (محقق عقلا) وتسمى هذه الاستعارات (تصريحية) وتسمى أيضاً (تحقيقية) ، وأما قول أبي ذؤيب الهذلى :
وإذا المنَّية أنشبت أظفارها |
|
ألفيت كل تميمةٍ لا تنفع |
فشبه المنية ، بالسبع ، في اغتيال النفوس قهراً ، من غير تفرقة بين نفّاع وضرَّار ، ولم يذكر لفظ المشبه به بل ذكر بعض لوازمه وهو أظفارها التي لا يكمل الاغتيال في السبع إلا بها ، تنبيهاً على المشبه به المحذوف فهو استعارة (مكنية) وكقوله :
ولئن نطقت بشكر برّك مفصحاً |
|
فلسان حالي بالشكاية أنطقُ |
فشبه الحال ، بانسان ناطق في الدلالة على المقصود ، ولم يصرح بلفظ المشبه به ، بل ذكر لازمه ، وهو (اللسان) الذي لا تقوم الدلالة الكلامية إلا به ، تنبيهاً به عليه ـ فهو أيضاً استعارة (مكنية) ، وقد أثبت للمشبه لازم من لوازم المشبه به ، لا يكون إلا به كماله أو قوامه في وجه الشبه
___________________
(١) قد يراد بالاستعارة المعنى المصدري : أي استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، فيكون اللفظ مستعاراً ، والمشبه به مستعاراً منه ، والمشبه مستعاراً له.