والتي تزول تماماً بفناء الجسم ، والحال أنّ للروح والفكر الآدمي ظواهر لا يمكن تفسيرها بالتفاسير المادية أبداً.
فمثلاً يجد كل شخص حقيقة في داخله تسمى «الأنا» ، وهي واحدة ليست أكثر منذ بداية العمر حتى نهايته ، «أنا» منذ الطفولة وحتى الآن شخص واحد لم أزدد ولم أتغير ، وسأبقى أنا ذلك الشخص إلى آخر العمر ، بالطبع درست وتعلمت القراءة والكتابة ولهذا فقد حصلت وعلى نسبة من التكامل ، لكنني لم أتحول إلى إنسانٍ آخر ، بل ما أزال ذلك الشخص السابق.
في حين إذا أخذنا الأجزاء المادية للجسم نرى أن جميع تلك الذرات في حال تغيّر وتبدل ، وأنّ جميع خلايا الجسم تتغيّر كل سبعة أعوام مرّة واحدة تقريباً ، أي أنّ الشخص البالغ من العمر سبعين سنة أصابه تبدل في أجزاء جسمه المادية عشرة مرات ، رغم أنّ «الأنا» (شخصيته الإنسانية) ثابتة لم تتغير ، وهذا يدل على أن حقيقة «الأنا» حقيقة ما وراء المادة ولا تتغير بتغيرات المادة.
فضلاً عن أنَّ في أذهاننا حقائق مخزونة تكون أكبر من مخنا وخلايانا المخية آلاف الآلاف من المرات ، تصور السماوات والمجرّات ، الشمس والقمر وغيرها ، فَمن المستحيل أن تكمن هذه الصور الكبيرة في الجزء المادي من وجودنا ، ولا سبيل إلّاأن تنعكس في الجزء غير المادي أي الروح ، لأنّ الجزء المادي أي المخ ليس إلّاموجود صغير.
وعلاوة على هذا فإنّ الظواهر المادية تقبل التجزئة والقسمة جميعاً في حين توجد بين مفاهيمنا الذهنية مفاهيم لا تقبل التجزئة إطلاقاً.
إنّ خصوصية «تصوير الواقع» والاطلاع على العلم الخارجي بالنسبة لنا ، والموجودة في علومنا ومعارفنا ، هي حقيقة لا يمكن تبريرها عن طريق الخواص «الفيزو كيميائية» للمخ.
وهذه البراهين الأربعة وبراهين واضحة أخرى تدل بجلاء على أنّ الروح جوهر مستقل ومجرّد من المادة (١).
__________________
(١) من أجل مزيد من الشروح راجع ، ذيل الآية ٨٥ من سورة الإسراء من «التفسير الأمثل».