الاسلوب .. لنتصور حالنا فيما لو تعرضنا لقصف الصخور السماوية يومياً».
فلو كان الغلاف الجوي حولَ الأرض بشكل أرقُّ مّما هو عليه «لأصابت الأرضَ يومياً عدةُ ملايين من الأجرام السماوية والشُهب الثابتة ، كما يقول «غرسي مورسِن» مؤلف كتاب «سرُّ الخَلْق» : «ولم تَعُدِ الأرض صالحةً للحياة» (١).
ولا ينبغي طبعاً نسيانُ الآثار المدمِّرة الناتجة عن اصطدام الأشعة فوق البنفسجية بالأرض في حالة عدم وجود هذا الغلاف فهي أكثر بكثير من أخطار آثار هذه الصخور ، ولعلَّ هذا الأمر كان السبب في أن يقول الباري تعالى في نهاية الآية : (وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضوُنَ).
* * *
ويشير في الآية الثانية عشرة والأخيرة إلى خاصِيةٍ اخرى من خصائص السماوات ، وهي من المعجزات العلمية للقرآن الكريم إذ يقول : (اللهُ الَّذِى رَفَعَ السَّمَواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا).
ويبرهنُ هذا التعبير على أنَّ للسمَوات عموداً إلّاأنّهُ غيرُ قابل للرؤيةِ ، فهو عمود غيرُ مرئيٍّ ، فايُّ شيءٍ يمكنُ أنْ يكونَ هذا العمود سوى توازن قانون «الجذب» و «الدفع» ، أي «القوة الدافعة المركزية»؟ أجَلْ إنّ تعادل الجذب والدفع هذا هو عمود قويٌ بحيث يرفع جميعَ كُرات المنظومة الشمسية وبقية المنظومات في مداراتها بإحكام ، مع أنّه غيرُ مرئيٍّ ، كما ويمنع تساقطها على بعضها ، أو الابتعاد عن بعضها فيختَلُّ نظامُها.
وينبغي الانتباه إلى أنّ «عَمَدْ» (على وزن صَمَدْ) اسمُ جمع من مادة «عمود» ، ولو أراد القرآن أن يقول : «إنَّ السماءَ مرفوعة بلا عمد» ، لكان يكفي أن يقول : (رَفَعَ السَّمَواتِ بِغَيرِ عَمَدٍ) ، إلّاأنّ اضافة عبارة (تَرَوْنَها) يُدلُ على أنّ المقصود هو نفي الاعمدة المرئية ، ويستلزمُ ذلك إثبات العمود اللامرئي.
__________________
(١) سرُ خلق الإنسان ، ص ٣٤.