الموجودة فيها حيث يقول : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً).
و «الاكنان» : جمع «كِنّ» على وزن «جِنّ» وكما قال صاحب مجمع البيان هو المكان الذي يضم الإنسان بداخله ، إلّاأنّ البعض ذكر ذلك بمعنى كلّ نوعٍ من اللباس ، حتى أنّهم اعتبروا «الرداء» «كنّاً» للإنسان ، والمقصود بـ «اكنان الجبال» المغارات والكهوف التي يستطيع الإنسان أن يستخدمها كملجاً له ، قد تكون أهميّة الملاجيء الجبلية والمغارات مجهولة بالنسبة لسكنة المدن ، غير أنّها ذات أهميّة حسّاسة جدّاً للمسافرين العُزّل ، وقاطعي الصحراء ، والرعاة ، والسائرين ليلاً ، وغالباً ما تنقذهم من الموت المحتوم ، لا سيما وإنَّ هذه الملاجيء دافئة في الشتاء وباردةٌ في الصيف.
فضلاً عن ذلك فإنّ بعض الناس منذ غابر الأزمان وحتى يومنا هذا ينحتون بيوتهم في وسط الجبال ، وهي مُحكَمَةٌ جدّاً وآمنة تماماً في مواجهة الحوادث الطبيعية ، كما ورد في القرآن الكريم حول «أصحاب الحجر» (قوم ثمود : (وَكَانُوا يَنْحِتُوْنَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِيْنَ). (الحجر / ٨٢)
وهذه فائدة اخرى للجبال.
وفي قسمٍ آخر من هذه الآيات إشارة إلى الطرق التي صنعها الباري تعالى بالوانٍ مختلفة بيضاء وحمراء وأحياناً سوداء بكاملها : (وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُهَا وغَرابِيبُ سُودٌ).
و «جُدَدٌ» : جمع (جُدّة) (كغُدَدٌ وغُدَّة) بمعنى الطريق والجادّة ، و «بِيضٌ» جمع «أبيض» ، و «حُمر» جمع «أحمر» ، و «غرابيب» جمع «غربيب» وتعني شديد السواد ، ولهذا يقال «غراب» ، و «سود» جمع «أسود» ووردت هنا بعد كلمة «غرابيب» للتأكيد.
فطرقُ الجبال المختلفة ، بألوانها المتباينة تماماً ، لها أهميّة كبيرة حيث تساعد المسافرين في العثور على مقاصدهم ، وتنقذهم من التيه ، إضافة إلى أن تعدُّد الألوان يدلُّ على اختلاف مركبات الصخور ، وقد تكون دليلاً على وجود المعادن المختلفة التي تختفي فيها.
* * *