عندهم ويذهب له به الصوت؟ فأين هذا من مطرة رواء؟ إذ يعمر به البلاد ويزيد في الغلّات أكثر من قناطير الذهب والفضة في أقاليم الأرض كلها.
تأمل نزوله على الأرض والتدبير في ذلك فانّه جعل ينحدر عليها من علو ليتفشّى ما غلظ وارتفع منها فيروّيه ولو كان إنّما يأتيها من بعض نواحيها لما علا على المواضع المشرفة منها ويقل ما يزرع في الأرض وبها يسقط عن الناس في كثير من البلدان مؤونة سياق الماء من موضع إلى موضع ، وما يجري في ذلك بينهم من التشاجر والتظالم حتى يستأثر بالماء ذوو العزة والقوة ويحرمه الضعفاء. ثم إنّه حين قدّر أن ينحدر على الأرض انحداراً جعل ذلك قطراً شبيهاً بالرش ليغور في قطر الأرض فيرويها ولو كان يسكبه انسكابا كان ينزل على وجه الأرض فلا يغوُر فيها ثم كان يحطم الزرع القائمة إذا اندفق عليها فصار ينزل نزولا رقيقاً فينبت الحب المزروع وفي نزوله أيضاً مصالح اخرى فانّه يلين الأبدان ويجلو كدر الهواء فيرتفع الوباء الحادث من ذلك ويغسل ما يسقط على الشجر والزرع من الداء».
ويقول في جانب آخر من الرواية :
فكّر يا مفضل في الصحو والمطر كيف يعتقبان على هذا العالم لما فيه صلاحه ، ولو دام واحد منهما عليه كان في ذلك فساده ، ألا ترى أنّ الأمطار إذا توالت عفنت البقول والخضر واسترخت أبدان الحيوان وخصر الهواء فأحدث ضروباً من الأمراض وفسدت الطرق والمسالك وأنّ الصحو إذا دام جفّت الأرض واحترق النبات وغيض ماء العيون والأودية فأضرّ ذلك بالناس وغلب اليبس على الهواء فأحدث ضروبا اخرى من الأمراض فإذا تعاقبا على العالم هذا التعاقب اعتدل الهواء ودفع كل واحد منهما عادية الآخر فصلحت الأشياء واستقامت (١).
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام السجاد عليهالسلام :
«أنزل من السماء ماءً يعني المطر ينزله من أعلى ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ١١٩ ـ ١٢٦ (مع الاختصار).