ما ، ثم الالتفات إلى آثاره.
والأمر كذلك في مسألة الظلال التي تبدو موضوعاً عادياً وغير مهم للوهلة الاولى ، ولكن افرضوا أنّ كل أنواع الظلِّ والمظلات رُفعت عن الكرة الأرضية لمدّة اسبوعٍ ، فلا جبال ، ولا أشجار ، ولا حائط بيتٍ ولا سقف ، ولا حتى ظلَّ نصف الكرة الأرضية الذي يُغطي النصف الآخر وهو الليل ، واختفت كلّها بصورة مفاجئة ، وتبدلت جميع الأجسام في هذا العالم إلى حالةٍ كالبلور ونفذ ضوء الشمس من خلالها ، فكم ستصبح الحياة صعبةً وغير قابلة للتحمل؟ إذ يشعُ ضوء الشمس باستمرار ، ويتعرض له كل شىء ، ويسلبُ كل أشكال الاستقرار والاطمئنان والراحة من الإنسان وسائر الموجودات ، ولو حدثت مثل هذه الفرضية في فصل الصيف فسوف تهلك جميع الكائنات الحية خلال فترة قصيرة.
بناءً على ذلك يمكن القول أنّ لوجود الظلال دوراً مؤثراً جدّاً في حياة الإنسان للأسباب الآتية :
١ ـ إنّ وجودَ الظلال ضروريٌّ للغاية من أجل تخفيف ضوء وحرارة الشمس ، لأنَّ الأشعة الحياتية للشمس لو لم تُخفَّف بالظهور المتناوب للظلال ستُفني كل شىء وتحرقه خلال فترة قصيرة.
يقول الفخر الرازي في تفسيره : «إنّ الظل هو الأمر المتوسط بين الضوء الخالص وبين الظلمة الخالصة ، وهو ما بين ظهور الفجر إلى طلوع الشمس ، وكذا الكيفيات الحاصلة داخل السقف وأفنية الجدران ، وهذه الحالة أطيب الأحوال ، لأنّ الظلمة الخالصة يكرهها الطبع وينفر عنها الحس ، وأمّا الضوء الخالص وهو الكيفية الفائضة من الشمس فهي لقوتها تبهر الحس البصري وتفيد السخونة القوية وهي مؤذية ، فاذن أطيب الأحوال هو الظل ، ولذلك وصف تعالى الجنّة به فقال : (وظِلٌ مَمْدُودٌ) (١).
٢ ـ يبدو أنَّ دور الظلال لاسيما الظلال المتحركة حيويٌ جدّاً بالنسبة للمسافرين وقاطعي الصحراء ، فهؤلاء يستطيعون الاستعانة بالخيام ووسائط النقل المسَقَّفة من وقاية
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٢٤ ، ص ٨٨.