والآن يبرز هذا التساؤل وهو : لو كان الأمر كذلك فما هو مفهوم السعي والاجتهاد لطلب الرزق والتخطيط لتحسين الوضع الاقتصادي للمجتمع؟
ولكن من خلال التمعُن في الآيات والروايات فيما إذا جُمعت مع بعضها يتضح الجواب على هذا السؤال بأنَّ المقصود من ضمان الرزق من قبل الله تعالى وتكّفله والتزامه بتقسيمه هو اعداد الأرضية اللازمة ، ومتى ما تظافرت الأرضية الخارجة عن طاقة الإنسان ، والاستعدادات الموجودة في ذاتهِ ، يستلم الإنسان نصيبه من الرزق.
وهذا يشبه تماماً رواتب العاملين في مؤسسة ما والتي يحددها المدير إلّاأنَّه لا يجلبُ تلك الرواتب إلى بيوتهم بل يجب عليهم أن يعملوا ، ثم يذهب كلٌ منهم لملء بطاقةِ راتبه ليستلمه.
ولا يجب نسيان هذه الحقيقة بأنّ الله تعالى ومن أجل أن لا يضيع الناس في «عالم الأسباب» ويعتبروا أنَّ حاصل الرزق يأتي عن طريق السعي والاجتهاد فقط ، فهو يوصل الرزق أحياناً لاناسٍ لم يبذلوا جهداً جهيداً وقد يسلب الرزق من أشخاصٍ مجتهدين كي يوضح أنَّ وراء هذا العالم قدرةً اخرى (ولكن يجب أن لا ننسى أنَّ هذا مجرّد استثناء ، وأمّا القاعدة الأساسية فهي السعي والاجتهاد).
ولعلّه لهذا الأمر ورد في حديثٍ عن الرسول صلىاللهعليهوآله أنّه قال :
«واعلموا أنَّ الرزقَ رزقان : فرزقٌ تطلبونه ورزقٌ يطلبكُم فاطلبوا أرزاقكم من حلال ، فانّكم إن طلبتموها من وجوهها أكلتموها حلالاً وإنْ طلبتموها من غير وجوهها أكلتموها حراماً» (١).
هذا الفارقُ في الرزق يعتبرُ في الواقع دليلاً على الجمع بين الآيات والروايات التي تعتبرُ الرزقَ مُقَسَّماً ومضموناً ، والروايات التي تعاكسها ، التي تعتبر الجد والاجتهادَ والمثابرة شرطاً للاستفادة من الرزق (٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة ، ج ١٧ ، ص ٤٧.
(٢) من أجل التعرف على هذه الروايات يراجع ، وسائل الشيعة ج ١٢ ، كتاب التجارة ، ص ٩ و ١٦ و ١٨ و ٢٢ و ٢٤ و ٢٦.