الأسرار ، وضرورة التوصل إلى هذه الأسباب دعت إلى ظهور الدين» (١).
ويضيف أحد الفلاسفة الماديين : أنّ الإنسان عندما ينظر إلى الأحداث من زاوية تاريخية فسيتصور العلم والدين عدوين لا يقبلان الصلح! وذلك لسبب واضح جدّاً ، فالذي يعتقد بحركة العالم بلحاظ قانون العلية لا يستطيع أن يسمح ولو للحظة واحدة بأن يدخل عقله تصورٌ يقول : إنَّ بامكان موجود خلق الموانع والعثرات في واقع الأحداث (٢).
وبعبارة أبسط إنّهم يريدون الادّعاء أنّ جهل الإنسان بالعلل الطبيعية كان السبب في تصوره لوجود قوة وراء الطبيعة أوجدت هذا العالم وما انفكت تديره ، ولهذا فكلما اتضحت الأسباب والعلل الطبيعية تزلزل الاعتقاد بالدين وبعبادة الله.
إنّ الخطأ الأساسي لاتباع «فرضية الجهل» ينبع من :
أولاً : إنّهم ظنوا أنَّ الإيمان بوجود الله يعني إنكار قانون العلية ، وإننا على مفترق طريقين : إمّا التسليم للعلل الطبيعية أو لوجود الله ، في حين أنّ الإيمان بقانون العلية والكشف عن العلل الطبيعية من وجهة نظر الفلاسفة الإلهيين يعد أحد أفضل طرق معرفة الله.
إنّنا لا نبحث عن وجود الله وسط الفوضى والحوادث الغامضة والمبهمة ، أبداً ، بل نبحث عن وجوده في وسط الأنوار والنظم المعروفة لعالم الوجود ، لأنّ وجود هذه النظم علامة واضحة على وجود مصدر علم وقدرة في عالم الوجود.
ثانياً : لماذا تراهم يغفلون عن هذه النقطة ، وهي أنّ الإنسان ومنذ أقدم العصور ولحد الآن يرى دائماً نظاماً خاصاً يحكم العالم؟ نظاماً لا يمكن تبرير ارتباط وجوده بالعلل التي لا شعور لها ، وكان يعتبره دوماً علامةً على وجود الله ، وكل ما في الأمر أنّ هذا النظام كان معروفاً في الماضي بدرجة أقل ، وكلما تطور علم البشر ، إكتشفت منه دقائق وطرائف
__________________
(١) جامعه شناسى ، ساموئيل كنيك ، ص ٢٠٧ (علم الاجتماع عند ساموئيل كنيك).
(٢) الدنيا التي أراها ، ص ٥٨ ـ وكم هو مضحك قول «اوغست كونت» إنّ العلم عزل أبا الكائنات من وظيفته وساقه إلى مكان منزو (أي باكتشاف العلل الطبيعية لم يبق ثمّة محل للأيمان بالله) (الدوافع نحو المادية ، ص ٧٦).