لقد اجروا بحوثاً كثيرة حول «الخفّاش» وأَلّفُوا مقالاتٍ عديدةً ، تتشكل منها دروس حقة لمعرفة الله.
ولهذا يتحدث أمير المؤمنين عليهالسلام في نهج البلاغة في خطبةٍ معروفةٍ باسمِ «خطبة الخفّاش» عن هذا الحيوان ، ويُبينُ مهارتَه ودقته في بيانهِ العظيم والبليغ ، حيث يقول :
«من لطائف صنعته ، وعجائب خلقته ، ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش ...» (١) ثم يضيف بصدده قائلاً :
«وقيل من الحيوانات من يحتضن صغاره ، ويحمله تحت جناحه وربما قبض عليه بفيه وهو في حنوه عليه واشفاقه عليه وربما ارضعت الانثى ولدها وهي طائرة ...» (٢).
ومن عجائب الخلق طائرٌ آخر يُسمى «الطاووس» ، بريشه الجميل الذي تصيب الدهشة من يتمعن بألوانه ، فكأنّما خرجَ لتوِّهِ من تحت يد رسّام ماهر مليئاً بالألوان الخلابة الزاهية الشفّافة والجذّابة ، مصففاً ريشه بمظلة عجيبة التي إذا رأيتها فسوف لن تغيب عن بالك ، أنّ ذلك لآية اخرى من آيات خلقِ الله.
لهذا أكَّد معلمُ التوحيد ومعرفة الله ، الإمام علي عليهالسلام في احدى خطب نهج البلاغة «خطبة الطاووس» على هذا الأمر قائلاً :
«ومِنْ أَعجبِها خلقاً الطاووس الذي أَقامَهُ في أَحكَمِ تعديلٍ ، ونضّد ألوانه في أحسن تنضيد بجناحٍ أشرج قَصَبَهُ وذنب أطال مَسْحَبَه إذا درج إلى الانثى نثره من طيّه وسما به مطلاً على رأسه كأنّه قلع داري عنجة نوتيّةٌ يختال بألوانه ...» (٣).
و «الطيور المهاجرة» من أكثر أنواع الطيور إثارة للدهشة أيضاً ، فهي تقطع أحياناً كل المسافة بين القطب الشمالي والقطب الجنوبي ، ثم تعودُ إلى مكانها الأول ، قاطعة سفراً طويلاً بعيداً قد يبلغ آلاف الأميال ، والعجيب أنّها تستخدم في هذه المسافة الشاسعة آلاتٍ
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ١٥٥.
(٢) سفينة البحار ، ج ١ ، ص ٤٠٣.
(٣) تراجع بقية هذا الحديث في الخطبة ١٦٥ من نهج البلاغة.