ومن أجل أن ندرك العَمَلَ المرهق لهذه الحشرة الكادحة يجب أن نقول انَّهُ يتعين على النحل أن يسافر ٨٠ ألف مرّة ذهاباً واياباً على الاقل من أجل كل اربعمائة غرام من العسل الذي يَحصل عليه ، ولو ربطنا هذا الذهاب والاياب معاً وقدَّرنا مسافةَ كلِّ مرةٍ (كمعدل) بكيلو مترٍ واحدٍ ، ستكون المسافة التي يقطعها النحل من أجل الحصول على اربعمائة غرام من العسل تعادل ضعفَ محيط الكرة الأرضية ، أي أنَّ هذه الحشرة الكادحة تقطع مسافة ما يعادل ضعف محيط الكرة الأرضية من أجل جمع شرابٍ يُصنعُ من اربعمائة غرام من العسل! (١).
ومن الضروري الانتباه إلى هذه النكتة وهي أنَّ معظمَ الأزهار لا تمتلك الرحيق باستمرار كي يستطيع النحل امتصاصه ، بل إنّها تقدّمُ رحيقها مرةً واحدةً في اليوم وفي ساعاتٍ معينةٍ تتبع نوع الزهرة ، فبعض الأزهار تعطي رحيقها صباحاً ، وبعضها ظهراً ، وبعضها الآخر بعد الظهر ، والعجيب أنّ النَّحلَ يعرف هذه البرامج جيداً فيتوجه نحو الأزهار وفقاً لها تماماً فلا يذهب وقته هدراً! (٢).
وحريٌ بالإنسان أن يخجلَ عندما يشاهد هذه الأرقام والاعداد في مجال جمع العسل وعدد مرات الطيران وعدد الأزهار المستهلكة من أجل غرامٍ واحدٍ من هذه المادة الغذائية المهمّة ، ولكن لو فكَّر بامعان في نفس الوقت بعظمة خالقِ هذه الحشرة الكادحة وتَحقَّقَ بعلمه وقدرته لخضع امامه مؤدياً شكر هذه النعمة ، ويُمكن أن يكون كل ذلك مقدمةً لهذه الغاية السامية.
والنكتة الاخيرة التي يجب أن نذكرها ونغلقَ هذا الملف الكبير قبل أن نخرج عن مضمون البحث التفسيري ، هي أنَّ النحل علاوةً على امتصاصه للرحيق فهو مكلَّفٌ بجمع «الحبوب الصفراء» للأزهار المسماة «بولن» ومزجها مع العسل.
ولهذه الحبوب آثار حياتية فائقة ، فهي تحتوي على ٢١ نوعاً من حامض الامونيك
__________________
(١) عالم الحشرات وفقاً لنقل عجائب الخلق ، ص ١٤٣.
(٢) الحواس الخفية للحيوانات تأليف فيتوس دروشر ، ص ١٥٧ (مع الاختصار).