قبيلةٍ أشخاصاً يمتازون بمزايا شخصية خاصةٍ كي تُحلَّ مسألة «التعارف».
ويقول في نهاية الآية كاستنتاج أخلاقي من هذه المسألة الاجتماعية : إنَّ الانتسابَ للقبائل والجماعات ليس دليلاً على أيِّ تفاضُل أبداً بل : (انَّ أَكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ اتْقاكُمْ).
فالتقوى لا تُعتبرُ مسألة أخلاقية فحسب ، بل مسألة اجتماعية لا تستقيم الحياة الاجتماعية للبشر إلّامن خلالها ، التقوى في جميع المجالات ، التقوى الاقتصادية ، التقوى السياسية ، تقوى اللسان والتقوى الفكرية.
* * *
وفي الآية الخامسة والاخيرة من البحث يعتبر «تأليف القلوب» احد الأدلة المهمّة على انتصار نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله ، فيقول : (هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالْمُؤْمِنيْنَ* وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ).
ويثبتُ هذا التعبير بوضوح أنَّ تأليف القلوب يعتبر أمراً حتمياً من أجل التغلُّب على المشكلات الاجتماعية ، وقد خلقَ اللهُ هذا الاستعداد لدى البشر ولولاه لم يتسنَ التأليفُ بين القلوب ، ولو لم يحصل فستضطرب حياة البشر الاجتماعية.
ثمَّ يُلمِّحُ إلى مسألةٍ لطيفةٍ وهي أنَّ تأليف القلوب لا يتحقق بالطرق المادّية ، بل يمكن تحقيقه من خلال الإيمان والأساليب المعنوية والقيم الإنسانية السامية ، فيقول : (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَميْعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبْهِم وَلكِنَّ اللهَ الَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزيْزٌ حَكِيْمٌ).
صحيحٌ أنَّ هذه الآية نزلت بخصوص أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، إلّاأنَّ من الواضح أنَّ مفهومها عامٌ ويشملُ المؤمنين قاطبةً ، كما اشير إلى هذا المعنى في تفسير الميزان (١).
إنَّ المسائل الماديّة وبسبب ضيقها تكون مصدراً للنزاعات والصراعات ، ولو فرضنا أن تكون عاملاً للوحدة يوماً ما ، فستكون وحدةً غير راسخةٍ ، فالوحدة الراسخة تتحقق في ظل الإيمان والتقوى والقيم الروحية فقط.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ١٢٠.