مختلطة : (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ).
وفي الآية الثالثة يعتبرها اولاً من «عصارة الطين» ، ثم من «نطفة في الرحم» : (مِنْ سُلالَةٍ مِّنْ طِيْنٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرارٍ مَكِيْنٍ).
واضح أنّ المراد من هذه الآيات هو خلقة الإنسان في المراحل والأجيال اللاحقة ، وبهذا فإنّ جدنا الأول مخلوق من التراب ، وأولاده وعقبه من نطفة أمشاج.
وثمّة احتمال في تفسير الآية أعلاه هو : بما أنّ المواد المكوِّنة للنطفة مأخوذة جميعها من التراب (لأنّ غذاءنا إمّا من المواد الحيوانية أو النباتية ونعلم أن جميع هذه المواد نحصل عليها من التراب) ، لهذا فلم يكن الإنسان الأول من التراب فحسب ، بل إنّ جميع الناس في المراحل اللاحقة ينشأون من التراب أيضاً (١).
* * *
وعلى كل حال ، فهذه حقّاً من العجائب الكبيرة في عالم الوجود وغرائب عالم الخلقة أن يولد ـ من مادة ميتة وبلا روح ولا قيمة لها كالتراب ـ موجود حي وعاقل وذو قدر وقيمة كالانسان ، فهذه من الآيات البينات لذلك المُبدىء الكبير ، و «إنّ ذلك الخالق لجدير بالشكر والثناء لأنّه خلق من الماء والطين مثل هذا الشكل الجذاب».
وبشكل عام فإن ظهور الحياة من موجود ميت مايزال من ألغاز عالَم الفكر والمعرفة ، فضمن أيّ شروط وظروف يخرج موجود حي من موجود ميت كالتراب؟ يعتقد كل العلماء أنّ الكرة الأرضية حين انفصلت عن الشمس كانت كلها ناراً محترقة ، ولم تكن عليها حياة مطلقاً ، ثم بردت قليلاً قليلاً وهطلت عليها سيول الأمطار من الغازات المضغوطة الموجودة حولها ، فتكونت البحار ، بدون أن يكون فيها كائن حي ، ثم ظهرت بوادر الحياة سواء النباتية أو الحيوانية وأخيراً خُلقَ الانسان!
إنّنا سواء اعتقدنا بالخلق المستقل للإنسان (كما هو ظاهر الآيات القرآنية) ، أو اعتبرنا
__________________
(١) ورد في تفسير الميزان ، ج ١٦ ، ص ١٧٣ إشارة مقتضبة لهذا المعنى.