٥ ـ هنا تتغير لهجة القرآن وتخبرنا عن تحول وخلق مهم وجديد للجنين ، فيقول بتعبير فيه أسرار وخفايا : (ثُمَّ أَنْشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ).
وعندما تنتهي هذه المراحل السبع يصف القرآن هذه الخلقة العجيبة أجمل وصف بعبارة : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقْينَ) ، وهي عبارة لم تأتِ في أي آية أخرى من القرآن ولم تستخدم في مجال أي موجود آخر.
ذكر المفسرون تفاسير متنوعة في المراد من العبارة الغامضة : (الخلق الآخر).
ويبدو أن أنسبها وأقربها إلى القصد هو بلوغ الجنين مرحلة الحياة الإنسانية ، حيث يظهر فيه الحس ويبدأ بالحركة ، ويضع قدماً في عالم الحيوانات والبشر ، يعبر القرآن عن هذه الطفرة الكبيرة والعجيبة بكلمة «الإنشاء» في إشارة إلى الطريق الطويل الذي يقطعه الإنسان خلال هذه المدة القصيرة.
نقرأ في حديث عن الإمام الباقر عليهالسلام في تفسير عبارة : (ثُمَّ أَنْشَأناهُ خَلْقاً آخَرَ) قوله : «هو نفخ الروح فيه» (١).
صحيح أنّ الجنين كائن حي مند لحظاته الأولى ، ولكنه وحتى فترة معينة لا يمتلك أي إحساس وحركة في بطن الأم ، ويكون في الحقيقة أشبه بالنبات منه بالحيوان أو الإنسان ، ولكن بعد مضي عدّة أشهر تُبعثُ فيه الروح الإنسانية ، ومن هنا جاء في الروايات الإسلامية أنّ الجنين لا يستحق قبل بلوغه هذه المرحلة الدية الكاملة أبداً ، أمّا إذا بلغ هذه المرحلة كانت ديته نفس الدية الكاملة للإنسان (٢).
التعبير ب «أَحسن الخالقين» بالرغم من أنّه لا خالق غير الله إنّما هو لأجل أنّ مفردة «الخلق» ليست فقط بمعنى الإيجاد بعد العدم فحسب ، بل لها معان أخرى منها : «التقدير» و «الصناعة» و «إعطاء الأشكال الجديدة للأشياء الموجودة في العالم» ، ولا شك أنّ الإنسان يستطيع بما منحه الله من قوى أن يوجد تغييرات كثيرة على مواد هذا العالم
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٥٤١ ، ح ٥٦ و ٥٧.
(٢) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٥٤١ ، ح ٥٦ و ٥٧.