في الآية الثالثة يؤكد على نقطة جديدة أخرى ويقول بعد الإشارة إلى خلق الإنسان من النطفة (خصيم مُبين).
وقد وردت تفاسير متعددة لهذا التعبير : فقالوا تارة إنّها إشارة إلى مرحلتي «الضعف» و «القوة» لدى الإنسان ، حيث كان يوماً ما نطفة حقيرة ويصبح لاحقاً قوياً ومقتدراً إلى درجة قيامه بالخصومة والضجيج ازاء كل شخص حتى ازاء الله!.
وقالوا تارة إنّها إشارة إلى ملكة النطق والفهم والشعور لدى الإنسان ، فهذه النطفة الحقيرة يصل بها الأمر إلى عدم الاقتصار على النطق فقط ، بل إلى التمتع بالقدرة على الاستدلال المنطقي بانواعه والاقتدار العقلي ، ونحن نعلم أنّ ظاهرة النطق والبيان والمنطق والاستدلال من أهم ظواهر الوجود الإنساني.
وقيل أحياناً : إنّ هذا التعبير إشارة إلى النزاع العجيب الذي يحصل بين الخلايا الذكرية «الحيامن» من أجل التسلط والاتحاد بالخلية الانثوية «البيضة» ، لأنّ نطفة الذكر عندما تدخل الرحم تتحرك آلاف الحيامن بسرعة كبيرة لتصل إلى نطفة الأنثى وتتحد معها.
وأول حيمن يصل إليها وينفذ إلى داخلها يسد الطريق على بقية الحيامن ، لأنّ غشاءً مقاوماً سيحيط بالبيضة ويمنع من نفوذ بقية الحيامن إليها ، وبهذا فإنّ البقية سيهزمون في هذا الصراع العجيب ويمتصهم الدم ، ولهذا يشير القرآن الكريم بعد ذكر مرحلة النطفة إلى قضية (خصيم مُبين) (١).
* * *
في الآية الرابعة أيضا يرد ذكر الخلقة من التراب ثم النطفة وبعد ذلك مرحلة التسوية والتنظيم ، وفي الآية الخامسة وهي آخر الآيات يضيف القرآن إلى كل هذا مرحلة «الولادة» وخروج الجنين من بطن الأم على شكل طفل وليد : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً).
وكما نعرف فإنّ أهم عجائب الجنين هي نهاية عمره ، بالولادة ، أية عوامل تؤدّي إلى
__________________
(١) إعجاز قرآن از نظر علوم روز ، ص ٢٧ (بالفارسية).