قد يُقال : إنّ الإنسان صنع أجهزة قيّمة أكثر أهميّة من خلق الذباب كالسفن الفضائية والعقول الألكترونية المعقدة وأمثال ذلك.
ولكن هذا خطأ كبير وقياس باطل ، إذ ليس للسفينة الفضائية أو العقل الألكتروني أي نمو أو تحول ذاتي ويستحيل أن ينجب مثيله ، ولا يمكن من داخل نفسه ترميم ما يطرأ عليه من الأضرار ، فهو لا يُصلح قطعاته التالفة أبداً ، ويحتاج إلى الهداية والقيادة من خارجه ، والحال أنّ للذبابة من هذه الوجوه أفضلية واضحة على تلك السفينة الفضائية أو جهاز الكومبيوتر ، ولكن كثرة الذباب أدى إلى تصوره من قبلنا كموجود حقير ولا أهميّة له ، ولو كانت هنالك ذبابة واحدة فقط في العالم لاتّضح آنذاك مدى ما سيوليه العلماء لها من الاهتمام.
وفضلاً عن هذا فإننا لا نحتاج أساساً إلى هذه المفاضلة ، فالهدف هو إيضاح أن بناء الكائن الحي حتى لو كان خلية واحدة والتي أشرنا إليها إشارات واضحة في البحوث الماضية ، على قدر من الغموض والتعقيد بحيث يدلّ على أنّ صانعه ذو علم وقدرة غير متناهيين وذو اطلاع تام بقوانين الحياة المعقدة ، وبتعبير أصح أنّه هو الذي وضع هذه القوانين.
كيف يمكن أن تحتاج معرفة ظاهرة كهذه إلى كل هذا العقل والشعور ولا يحتاج صنعها إلى أي عقل أو شعور؟!
وهذا هو الأمر الذي نحن في صدد إثباته في هذه البحوث ، والذي يشكل هدف القرآن من الآيات المذكورة وآيات مشابهة أخرى.
نختم هذا الحديث بذكر نقطة ، وهي أنّ الحياة والعيش رغم أنّها من أبرز الظواهر ، ولكن حقيقتها غير واضحة لحدّ الآن لأحد ، إنّ ما نراهُ هو آثار الحياة التي تمثل (النمو والتحول والتغذية والتناسل ، والاحساس والحركة والتفكير) ، ولكن ما هي تلك الحقيقة التي تكون بمثابة المصدر لهذه الآثار؟ لا يعلم أحد بذلك لحد الآن ، وما زالت العقول في حيرة من ذلك.
* * *