يكفي في هذا المجال مراجعة سورة الأنبياء (الآيات ٢٨ إلى ٨٢) وسورة النمل (الآيات ١٥ إلى ٤٤) وسورة ص (الآيات ٣٠ إلى ٤٠) وعلى الخصوص قصة هداية (ملكة سبأ) وانقاذها من براثن الشرك ودعوتها إلى التوحيد الخالص ، وخاصة عندما يقول : (وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللهِ إِنَّها كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرينَ). (النمل / ٤٣) وأساساً ، يستفاد من الآيات الموجودة في نفس السورة أنّ الهدف الرئيسي لسليمان في واقعة ملكة سبأ يكمن في محاربة الشرك والوثنية وانقاذها وقومهامن وطأة هذا الانحراف ، والآن نعود إلى التوراة الفعلي المحرف لننظر إلى ما يقوله في شأن سليمان وما يختلقه من صورة بشعة عن هذا النبي العظيم ، صورة لرجل مفتون بالأهواء بحيث ساقه هوسه وهواه إلى حد الشرك والوثنية وحتى بناء معبد للأصنام.
جاء في الكتاب الأول للملوك والسلاطين مايلي : «وأحبّ الملك سليمان نساء أجنبيات كثيرة من الامم التي قال الربّ لبني اسرائيل في شأنها : لا تذهبوا إليهن ولا يذهبن إليكم فإنّهنّ يستميلنّ قلوبكم إلى اتباع آلهتهن ، فتعلق بهن سليمان حبّاً لهنّ ، وكان له سبع مائة زوجة وثلاث مائة جارية فازاغت نساؤه قلبه ، وفي زمن شيخوخة سليمان تمكن أزواجه من امالة قلبه إلى اتباع آلهة اخرى ، فلم يكن قلبه مخلصاً للربّ إلهَهُ ، كما كان قبل داود أبيه فتبع سليمان عشتروت آلهة الصيدونيين ، وملكوم بني عمون ووضع الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب اتباعاً تاماً مثل أبيه داود.
حينئذٍ بنى سليمان مشرفاً لكاموش صنم قبيلة موآب في الجبل المقابل لاورشليم ولمولك صنم بني عمون ، وكذلك صنع لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يحرقن البخور ويذبحن لآلهتهن ، فغضب الرب على سليمان ، لأنّ قلبه مال عن الرب إله اسرائيل الذي تراءى له مرّتين وأمره في ذلك أن لا يتبع آلهة اخرى ، فلم يحفظ ما أمره الرب به ، فقال الرب لسليمان : بما أنّ أمرك هذا ، وأنت لم تحفظ عهدي وفرائضي التي أمرتك بها ، فسأنتزع الملك عنك واسلمه إلى عبدك ، إلّاأنّي لا أفعل ذلك في أيّامك نظراً لداود أبيك ، بل انتزعه من يد ابنك» (١).
__________________
(١) سفر الملوك الأول ، الفصل ١١ : ٣٣ : ٣٤.