ويلقونهم في حفر النيران لا لشيء إلّا لأنّهم حملوا اعتقادات راسخة ، لذا يصفهم بالقول : إنّ هذه الزمرة المتسلطة ما أقدمت على عملها هذا إلّالأجل سلب حرية العقيدة والإيمان ، ثم يبين لهم أشد العقوبات الإلهيّة النازلة بحقهم لنقرأ قوله تعالى : (انَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤمِنيِنَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُم عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذابُ الحَرِيقِ). (البروج / ١٠)
وكثيراً ما يُشيد القرآن الكريم بنعمة (الأمن) بحيث يعتبره مقدماً على أي شيء آخر ، ولهذا السبب حينما قدم إبراهيم الخليل عليهالسلام على الأرض القاحلة ، ذات الحرارة المحرقة والخالية من النبات والشجر في مكة ، وبنى الكعبة ، فإنّ أوّل حاجة طلبها من الله تعالى لساكني هذه الأرض مستقبلا هي نعمة الأمن كما ورد ذلك في القرآن : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارزُق اهْلَهُ مِنَ الَّثمَراتِ). (البقرة / ١٢٦)
وقد ورد هذا الموضوع في مكان آخر من القرآن وبتعبير آخر ، فيقول تعالى : (رَبِّ اجعَلْ هَذًا البَلَدَ آمِناً وَاجنُبنى وبَنِىَّ ان نَّعُبدَ الاصنَامَ). (ابراهيم / ٣٥)
ففي الآية الاولى تقدم ذكر الأمن على الأمور الاقتصادية ، وفي الآية الثانية تقدم ذكره أيضاً على مسألة التوحيد ، ولعله إشارة إلى عدم تحقق الضمان الديني والدنيوي للمجتمع بدون انتشار الواقع الأمني في المحيط القائم ، بالإضافة إلى أنّ القرآن يصف حالة انعدام الأمن بأنّها أسوأ حالاً من القتل وسفك الدماء ، فيقول : (وَالفِتَنةُ اشَدُّ مِنَ القَتلِ). (البقرة / ١٩١)
وبالرغم من أنّ للفتنة معاني كثيرة ، (كالشرك ، والتعذيب والتنكيل والفساد) ، ولكن لايستبعد أن يكون مفهوم الآية شاملاً بحيث يستوعب كل هذه المعاني.
وعليه فإنّ إيجاد حالة من انعدام الأمن والفساد تفوق بمراتب حالة سفك الدماء لأنّها بالإضافة إلى كونها مصدراً لسفك الدماء ، هي مصدر للمفاسد الاخرى أيضاً.
وتجدرالإشارة إلى هذه النكتة أيضاً وهي : إنّه قد تقرر في الإسلام نوع خاص من «الأمن» لم يسبق له وجود في أي قانون من القوانين الدولية ألا وهو الحفاظ على حيثية الأفراد وكرامتهم ، حتى في دائرة أفكار الآخرين.