وبتعبير أدق : إنّ الإسلام لايسمح لأي مسلم أن يحمل في نفسه الظن السيء والتفكير الخاطيء تجاه الآخرين فيعمد إلى خدش كرامة الآخرين وحرمتهم في دائره التفكير الشخصي ، وقد تجسد هذا المعنى بقوله سبحانه في الآية : (يَاايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجتَنِبُوا كَثِيراً مِن الظَنِّ انَّ بَعضَ الظَنِّ اثمٌ وَلَاتَجَسَّسوُا). (الحجرات / ١٢)
إنَّ الإسلام يريد أن تسود حالة الامن والاطمئنان التام في المجتمع الإسلامي ، ولا يقتصر الأمر على النزاعات الشخصية بين الآخرين فحسب ، وإنّما يشمل المناوشات الكلامية ، وأكثر من ذلك على صعيد الاتجاهات الفكرية بين الأفراد مع بعضهم البعض ، بحيث يشعر كل واحد منهم بأنّ أخيه لا يسدد باتجاهه سهام التهمة والافتراء ، وهذه الحالة تمثل أعلى مستويات الأمن ولاتتحقق إلّافي ظل وجود المجتمع الإيماني وسيادة القوانين الإسلامية.
والجدير بالذكر إنّه قد ورد النهي عن الكثير من الظنون ، ولكن في أثناء بيان العلة يقول : إنَّ بعض الظنون إثم ، ولعل منشأ التفاوت في التعبير عائد إلى أنّ الظنون السيئة تجاه الآخرين تطابق الواقع أحياناً ، ولاتطابقه أحياناً اخرى ، وبناءً على أنّ النوع الثاني يعدُّ ذنباً من الذنوب ، فلابدّ من الابتعاد عن كل الظنون السيئة الواقعة تحت عنوان «كثيراً من الظن».
النكتة الأخيرة في هذا البحث : هي أنّ الإسلام انطلاقاً من اهتمامه الكبير بتحقيق الأمن الداخلي في المجتمعات الإسلامية أجاز التوسّل بالقوة والقدرة العسكرية لحل الاختلافات والمجابهات الداخلية في حالة فشل الأساليب والطرق السلمية ، ونطالع هذا المعنى في قوله تعالى : (وَانْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَاصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَانْ بَغَتْ احدَاهُمَا عَلَى الاخَرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ الَى امْرِ اللهِ فَانْ فَاءَتْ فَاصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَاقسِطُوا انَّ اللهَ يُحِبُّ المُقسِطِينَ). (الحجرات / ٩)
إنّ مَن يمعن النظر جيداً في تعبير هذه الآية : يجد أنَّ كلَّ مقطع من المقاطع فيها يحكي عن تحديد صورة لمنهج دقيق يقضي بإنهاء أي شكل من أشكال الاضطراب والفتن