وفرح أعداء الإسلام والمشركون في مكة بهذه الواقعة وتفاءلوا بها خيراً واستدلوا على حقانية أهل الشرك فقالوا : إنّ الايرانيين «مجوس» ومشركون و «وثنيون» أمّا الروميون فهم مسيحيون أهل كتاب ، فكما تغلب الايرانيون على الروميين ، سيكون النصر حليفنا أيضاً نحن المشركين ، وستطوى صحيفة حياة محمد صلىاللهعليهوآله وتكون الغلبة لنا ولمعتقداتنا.
إنّ هذا النوع من الاستنتاج والتفاؤل وإن لم يستند إلى أي قاعدة منطقية ، إلّاأنّه لم يخل من تأثير إعلامي في أوساط ذلك المحيط ، ولهذا السبب كان تأثيره شديد الوطأة على المسلمين.
ويضيف القرآن تعقيباً على الآية السابقة : اعلموا أنّ هذه الغلبة للفرس لا تدوم زمناً طويلاً (وَهُم مِّن بَعدِ غَلَبِهِم سَيَغلِبُونَ) أي الروم ، ثم يشير إلى الجزئيات بعد ذلك بقوله : (فِى بضِع سنِيِنَ للهِ الامرُ مِّن قَبلُ وَمِن بَعدُ وَيؤمئذٍ يَفْرَحُ المُؤمِنونَ).
إلّا أنّ هذا الفرح والسرور ليس قائماً على أساس التفاؤل بالخير بالنسبة لغلبة الإسلام على الشرك فحسب ، بل السبب الأساسي لغبطتهم هذه هو حصولهم على المدد الإلهي (بالنصرة على مجموعة من الأعداء في محيطهم الداخلي) (بِنَصرِ اللهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ).
ومن أجل ترسيخ هذا المعنى أكثر ، وازالة أي لون من ألوان الشك والتردد ، يقول تعالى : (وَعْدَ اللهِ لايُخلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ اكْثَرَ النَّاسِ لَايَعلَمُونَ).
إنّ هذا التنبؤ العجيب المشتمل على ذكر الجزئيات ، والذي يخبر عن أحد المسائل العسكرية والسياسية المهمّة ، كيف يمكن له أن يتحقق بدون الإحاطة بأسرار الغيب؟
فمن جهة يخبر عن أصل وقوع الانتصار للروميين المندحرين الذين وصل بهم الاحباط والهزيمة إلى حد الانقراض وفقدوا مساحة شاسعة من أرض بلادهم ، ولم يعد هناك أمل بأنّ يستعيدوا قواهم ويثبتوا كيانهم بهذه السهولة ، ومن جهة اخرى يصرح بأنّ هذا الأمر سيتحقق في بضعة أعوام.
ويضيف على ذلك بقوله : إنّ هذا سيقترن بنصر آخر للمسلمين على الكفار ، وفضلاً عن