أنّ يُعبِّر القرآن عنهم بقوله : (وَاذْ زَاغَتِ الابْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ ... وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً). (الاحزاب / ١٠ ـ ١١)
في خضم هذه الظروف هبَّت ـ على حين غِرّة ـ نسمة الرحمة الإلهيّة ، وانقلبت الامور رأساً على عقب وتتابعت فيوضات المدد الإلهي على المسلمين وقذف الله في قلوب المشركين الرعب والفزع الشديد فتراجعوا خائبين بدون أن يحققوا عملاً معيناً وعادوا إلى مكة.
وفي الواقع أنّ جميع الأخبار الغيبية في القرآن التي بحثناها مفصلاً في الفصل السابق ، يمكن الاستناد إليها في هذا البحث أيضاً ، وذلك لأنّ كل واحد منها يعتبر معجزة من معاجز نبي الإسلام ودليلاً على صدق قوله وادّعائه. طالعوا مرة اخرى كل ماذكرناه في الفصول العشرة من بحث الاعجاز القرآني من ناحية الأخبار الغيبية ، إذ كل واحد من تلك الفصول يعتبر شاهداً على البحوث التي بين ايدينا في هذا الفصل.
* * *
وأمّا الموارد الخاصة التي حددها القرآن الكريم ، ففي مقدمتها قصة شق القمر التي جاء ذكرها في قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ* وَانْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ* وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا اهْوَاءَهُم وَكُلُّ امْرٍ مُّسْتَقِرٌّ). (القمر / ١ ـ ٣)
الكلام يقع في أنّ المقصود من شق القمر هل هو بعنوان معجزة من المعاجز الواقعة في هذا العالم ، أو أنّه إشارة إلى انشقاق القمر في المستقبل أو في نهاية العالم بصفته واحدة من العلامات على بداية الآخرة ، فالمشهور بين المسلمين هو الاحتمال الأول على حد قول الفخر الرازي الذي يقول : «والمفسرون بأسرهم على أنّ المراد أنّ القمر انشق وحصل فيه الانشقاق ، ودلت الأخبار على حديث الانشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة» (١).
وينقل المرحوم «الطبرسي» أيضاً حديث انشقاق القمر عن جمع كبير من صحابة النبي
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٢٩ ، ص ٢٨.