ثم يقول بعدها : (فَاغْشَيْنَاهُم فَهُمْ لَايُبْصِرُونَ) وهذا هو الحجاب الثالث.
ثم إنّه يقول : (وَاذَا قَرأْتَ القُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذينَ لَايُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابَاً مَّسْتُوراً).
وهذا هو الحجاب الرابع.
وقال تعالى بعد ذلك : (انَّا جَعَلْنَا فِى اعْنَاقِهِم اغْلَالاً فَهِىَ الَى الاذْقَانِ فَهُمْ مُّقمَحُونَ) (١). (يس / ٨)
ولذا لا يرون شيئاً ، وهذا هو الحجاب الخامس.
إنّ هذه الحجب سواء كان لها صبغة مادية أو معنوية ، فهي وقفت حاجزاً أمام المؤامرات المختلفة المدبرة ضد النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وهذه بحد ذاتها تمثل إحدى المعاجز النبوية الشريفة.
٥ ـ نطالع في قوله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ). (البقرة / ١٣٧) إنّ الأشخاص المحيطين علماً بالتاريخ الإسلامي هم القادرون على الاطلاع على عمق مفهوم هذه الآية التي يُستشف من ظاهرها أنّ الأعراب المعاندين والمتعصبين الجاهليين وخاصة الاشراف من مشركي مكة الذين تعرضت منافعهم اللامشروعة للخطر مع ظهور الإسلام ، لم يدخروا جهداً في القضاء على الإسلام والنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله.
في الوقت ذاته تعطي الآية التي نحن بصددها وعداً صريحاً بأنّ الله تعالى سوف يدفع شرورهم ، ويسفِّه أحلامهم ، ويفشل مؤامراتهم ، وهذه من إحدى النبوءات الاعجازية.
٦ ـ وردت الإشارة في القرآن الكريم إلى اعجاز آخر حدث في حرب الأحزاب ، يقول عز من قائل : (يَا ايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم اذْ جَاءَتْكُم جُنُودٌ فَارْسَلْنَا عَلَيهِم رِيحَاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصيِراً). (الأحزاب / ٩)
إنّ الذين يطالعون قصة «حرب الأحزاب» في القرآن الكريم ، والروايات والتواريخ ، يجزمون على وجود بون شاسع بين المسلمين واعدائهم ، فقد فرض الأعداء حصاراً شديداً على المدينة بحيث أصبح سقوطها حتمياً بحسب الظاهر ، ووصلت الحالة بالمسلمين إلى
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٤٢٣ ، ح ٢.