والضغائن والحسد ، وأحياناً سفك الدماء بين القبائل إلى الحد الذي يدعهم ـ من أجل إثبات كثرة عددهم ـ إلى التوجه صوب القبور لعدّ قبور موتاهم والتفاخر بالعظام النخرة لأجدادهم وهي تحت التراب.
يقول القرآن الكريم : (الَهكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرتُمُ المَقَابِرَ). (التكاثر / ١ ـ ٢)
وما إلى ذلك من أوهام ومفاسد وكوارث اخرى من هذا القبيل.
إنّ الانحطاط في تلك البيئة والفقر المعنوي والمادي جَعل تلك المنطقة في قائمة أكثر مناطق العالم تخلُّفاً.
ينقل أحد المؤرخين الغربيين عن بعض المؤرخين المعروفين حول بيئة الحجاز في العصر الجاهلى قائلاً : عندما دخل (ديمتريوس) القائد اليوناني الكبير (البتراء) ـ إحدى مدن الحجاز القديمة ـ وهو في طريقه لاحتلال المنطقة العربية ، قال له العرب الساكنون هناك : (أيّها الملك ديمتريوس! لماذا تحاربنا؟ إنّنا نعيش في أرض حصباء تفتقر لأبسط متطلبات الحياة ، ومحرومة من كل النعم التي يتمتع بها أهالي المدن والقصبات ، لقد اخترنا السكن في هذه الصحراء القاحلة لأننا لا نريد أن نكون عبيداً لأحد ، ولهذا تقبّل منّا هذه التحف والهدايا التي نقدمها لك وأخرج جيوشك من هنا وعُدْ ...).
وانتهز (ديمتريوس) رسالة الصلح هذه وقبلَ الهدايا وغض النظر عن هكذا حرب تُخلِّف مشاكل كثيرة (١).
ومنطقة (الحجاز) لم تخضع لسيطرة الفاتحين القدامى على مدى التاريخ وقد حافظت على استقلالها ، والسبب كما يقول المحلّلون : هو عدم استحقاق مثل هذه المنطقة ـ الجرداء التي تفتقر لكل شيء ـ هذه الجهود والمشاكل ، وأيضاً افتقار منطقة الحجاز لحضارات البلدان القديمة مثل ايران وروما والتي تتواجد في الكثير من نقاط شبه الجزيرة العربية.
وبعد أن تعرفنا على حال الجزيرة العربية لابدّ لنا من النظر إلى حال الإنسان البسيط الذي عاش في محيطها مهما كانت قوة إرادته وقوة تفكيره (لاسيما إذا لم يكن قد تلقّى أي نوع من التعليم).
__________________
(١) تاريخ حضارة العرب والإسلام تأليف كوستاف لوبون.