هل أنّ الذي تربى في محيط موبوء بالجهل والفساد يمكنه أن يكون مؤسسة للعلم والمعرفة والفضائل الأخلاقية؟
وهل سمعتم بأنّ علماء عظماء وفلاسفة نوابغ نهضوا من بين قبائل جاهلية نصف متوحشة؟
إذا نبتت ورود جميلة وحشائش طرية في ارض خصبة ومهيأة فلا عجب في ذلك ، بل العجب عندما تنبت وردة جميلة في ارض سبخة.
وعلى أية حال يمكن أن تكون هذه المسألة بمفردها غير كافية في إثبات أحقية الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، ولكنها بدون شك تعتبر واحدة من القرائن التي متى ما ألحقناها بالقرائن الاخرى شكلت برهاناً قوياً ومبيناً.
نختم هذا الحديث بقول أمير المؤمنين علي عليهالسلام ـ الذي أدرك العصرين ، عصر الإسلام والجاهلية ـ وهو يرسم لنا العصر الجاهلي : «أرسله على حين فترة من الرسل ، وطول هجعةٍ من الامم ، واعتزام من الفتن ، وانتشار من الامور ، وتلظ (تلظى) من الحروب ، والدنيا كاسفة النور ، ظاهرة الغرور ، على حين اصفرار من ورقها ، وإياس من ثمرها ، واغورار من مائها ، قد درست منار الهدى وظهرت اعلام الردى ، فهي متجهمة لأهلها ، عابسة في وجه طالبها ، ثمرها الفتنة ، وطعامها الجيفة ، وشعارها الخوف ودثارها السيف» (١).
وفي مكان آخر نقرأ له عليهالسلام : «إنّ الله بعث محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم نذيراً للعالمين ، وأميناً على التنزيل ، وأنتم معشر العرب على شر دينٍ وفي شر دارٍ ، منيخون بين حجارة خُشنٍ وحياتٍ صُمٍ تشربون الكدر ، وتأكلون الجشب ، وتسفكون دماءكم ، وتقطعون أرحامكم ، الأصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم معصوبة» (٢).
وخلاصة القول هي : إنّ البحث في القرآن الكريم والروايات الإسلامية ومجموع التواريخ التي كتبت في الشرق والغرب حول العصر الجاهلي ، تدلل على أنّها متفقة جميعاً
__________________
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٨٩.
(٢) نهج البلاغة ، الخطبة ٢٦.