في الآية الثالثة نقرأ عن لسان عيسى بن مريم أنّه أعطى البشارة أمام بني اسرائيلـ (وَاذْ قَالَ عِيسَى ابنُ مَريَمَ يَابنَىِ اسرَائِيلَ انَّى رَسُولُ اللهِ اليَكُم مُّصَدِّقاً لِمَا بَينَ يَدَىَّ مِنَ التَّورَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَاتى مِن بَعدِى اسمُهُ احمَدُ) ، ويقول في نهاية الآية : (فَلَمَّا جَاءَهُم بالبَيَّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحرٌ مُبِّينٌ).
والمثير للاهتمام هو أنّ القرآن ينقل أقوال هؤلاء في مخالفتهم ومعارضتهم للمعجزات واتهامهم عيسى عليهالسلام بالسحر ، ولكنه لم يتحدث عن معارضتهم حول إخبار (المسيح عليهالسلام) بمسألة مجيء (أحمد صلىاللهعليهوآله) ، وهذا دليل واضح على أنّهم لاينكرون هذا الخبر.
* * *
في الآية الرابعة نواجه نقطة جديدة تقول : (وَلَمَّا جَآءَهُم كِتَابٌ مِّن عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّما مَعَهُم وَكَانُوا مِن قَبلُ يَستَفِتحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّاعَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الكَافِرِينَ).
إنَّ هذه الآية جاءت لتشير إلى السبب الذي استوجب نزولها من أن (اليهود) هاجروا من أرضهم وديارهم إلى المدينة لرؤيتهم علامات نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله التي في كتبهم ، ولأنّهم قرأوا فيها أنّ محل هجرة هذا النبي صلىاللهعليهوآله بين جبلي (عير) و (احد) ـ وهما جبلان على طرفي المدينة ، ولهذا فقد جاءوا وسكنوا المدينة وكتبوا حتى لإخوانهم بإننا وجدنا الأرض الموعودة فتعالوا إلينا.
فقال أولئك الذين ليسوا بعيدين جدّاً عنها : إنّه لا تفصلنا فاصلة كبيرة عن تلك المنطقة وحين يهاجر إليها النبي الموعود نلتحق بكم! وعندما يصطدمون مع سكان المدينة الأصليين من قبيلتي (الأوس) و (الخزرج) يقولون : «نحن في ظل النبي الجديد سوف ننتصر عليكم» (١).
__________________
(١) اقتباس عن سبب النزول الذي جاء في الدر المنثور من تفاسير أهل السنة. وتفسير العياشي عن الإمام الصادق (عليهالسلام) (وذكره الكثير من مفسري الشيعة وأهل السنة أيضاً في ذيل الآية المذكورة) ـ ومع أنّ البعض من ـ