السابقين : (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ الَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ). (الحجر / ١١)
ولما رأى المشركون أنّ السخرية والاستهزاء لم تؤثرا شيئاً وأنّ الإسلام ما زال يواصل تقدمه دون تلكؤ ، انتقلوا إلى المرحلة الثانية :
لقد تصور المشركون أنّهم سيخرجون الرسول صلىاللهعليهوآله من ميدان الصراع بإلصاق التهم به كالجنون او (السحر) ، أو (الشِعر) ، أو أنّ ما جاء به قد تعلمه على يد هذا أو ذاك أو أنّه منقول من أساطير الأولين.
فمرة يقولون : (يَاايُّها الَّذِى نُزِّلَ عَلَيهِ الذِّكرُ انَّكَ لَمَجنُونٌ). (الحجر / ٦)
واخرى يقول بعضهم للآخر : (ائِنّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنا لِشَاعِرٍ مَّجنُونٍ). (الصافات / ٣٦)
وأحياناً يقولون : (هَذَا سِحْرٌ وَانَّا بِهِ كَافِرُونَ). (الزخرف / ٣٠)
وأضاف القرآن الكريم : إنّه ليس مشركو العرب لوحدهم ألصقوا تلك التُهم بالرسول صلىاللهعليهوآله فحسب بل إنّ هذه التهم قد عانى منها كل الأنبياء : على مر التأريخ : (كَذَلِكَ مَا اتَى الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ الَّا قَالُوا سَاحِرٌ اوْ مَجنُونٌ). (الذاريات / ٥٢)
وفي مكان آخر نقرأ قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعلَمُ انّهُم يَقُولُونَ انَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِى يُلحِدُونَ الَيهِ اعْجَمىٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبىٌّ مُّبينٌ) (١). (النحل / ١٠٣)
وأحياناً يقولون : (وَقَالُوا اسَاطِيرُ الأَوِّلِينَ اكتَتَبَها فَهِى تُمْلَى عَلَيهِ بُكرَةً وَاصِيلاً). (الفرقان / ٥)
و «اساطير» : جمع (اسطورة) ومعناها القصص الخيالية التي لا صحة لها ، وبهذا الاسلوب ألصقوا أنواع التهم وكل ما يختمر في أذهانهم بالرسول صلىاللهعليهوآله ولكن لم يؤثر أيّ منها ، وأخذ الإسلام يشق طريقه بسرعة بين الطبقات المختلفة.
المرحلة الثالثة : بدأت المرحلة الثالثة بضغوط مختلفة : اجتماعية وسياسية ولأنّهم أدركوا مدى خطورة الإسلام عليهم سعوا إلى القضاء على الرسول صلىاللهعليهوآله والمجموعة القليلة التي آمنت به من هذا الطريق.
__________________
(١) جاء في التفاسير أن رجلاً يدعى (بلعام) كان في مكة وأصله عبد رومي لبني حضرم وكان المشركون يقولون : إنّ محمداً صلىاللهعليهوآله تعلم القرآن منه ، وقال بعضهم : إنّ كلامه إنّما نقله من عبدين نصرانيين أحدهما يسار والآخر جبر أو ذكروا اسم سلمان الفارسي ، ولم تكن لغة أي منهم العربية بينما يعد القرآن معجزة في الفصاحة والبلاغة.