ولديكم فكر وذكاء ، وفي الواقع أنّ القرآن وبواسطة هذا المنطق العقلي الواضح أثبت اعجازه بصورة إجمالية.
إنَّ الآية الاولى تقف بوجه المعاندين قائلة : (قُلْ لَّئِنِ اجتَمَعَتِ الانسُ وَالجِنُّ عَلَى انْ يَأْتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعَضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيراً).
فهذه الآية تدعو من جهة أفراد البشر كافة دعوة عامة ، ومن جهة اخرى فهي تدعو جميع أفراد البشر في عصرنا والعصور الآتية نظراً إلى خلود دعوة القرآن ، ومن جهة ثالثة ، وبملاحظة كلمة «اجتمعت» ، وجملة «بَعضُهْم لِبعَضٍ ظَهِيراً» تبين أنّها دعوة للمشركين كافة للتعاون فيما بينهم وشحذ الهمم ، وتوحيد أفكارهم في مجرى واحد من اجل المقابلة بالمثل ، ومن جهة رابعة ، فإنّ إثارة الخصم والتحرش به من أجل تأجيج غيرته قد اتخذ أقوى أشكال التحدي ، وحينما خاطبهم بكلام قاطع : «لايأتون بمثله» ، فهو دليل قوي على ارتباطه الوثيق بعالم ما وراء الطبيعة.
إنّ هذا التحدي وهذا النداء كان موجهاً إلى أبناء البشر جميعاً في كل زمان ومكان ، لأنّ دوافع أعداء الإسلام للقضاء عليه في عصر النبوة وفي كل عصر وزمان قائمة وقوية ، ومن المُسلَّم أنّه لو كانت لديهم قدرة على ذلك لما تماهلوا عن ذلك ، وتاريخ الإسلام وتاريخ كل العالم لم يذكر لنا بأنّ شخصاً أو جماعة قد أقدمت على هذا العمل ، وهذا دليل على عجزهم وعدم قدرتهم ، وفي النتيجة فهو دليل على عظمة واعجاز القرآن الكريم.
ويستفاد من هذه الآية أنّ الاجتماع وحده لا يؤثر في حل المشكلات مالم يكن بعضهم ظهيراً لبعض لحماية ومساعدة بعضهم للبعض الآخر وإسداء النصح لبعضهم الآخر.
كما نلفت الانظار إلى أنّ القرآن لا يكتفي في التحدي بالبلاغة وجمال البيان فقط ، بل الشبه من جميع الجوانب الشاملة للمحتوى والمعارف والأحكام وكل شيء ، وهذا ما تؤكده كلمة (مثله) الواردة في الآية.
* * *