القرآن بمجموع آياته ، دولة عظيمة واسعة ، والسور القرآنية مُدن هذه الدولة العظيمة.
وبناءً على هذا الدليل نعتقد بوجود ترابط واتصال بين آيات السورة الواحدة ، وإن لم يكن واضحاً في الظاهر أحياناً وهذا الارتباط نظير وجود نوع من الانسجام والارتباط بين البيوت والعمارات والشوارع لكل مدينة مع أنّ فيها المساجد والمدارس والأسواق والمناطق المأهولة بالسكان ، كل كيان في موضعه المناسب.
ويستفاد من هذا المعنى أنّ السور كانت في وقت نزول القرآن على هذه الهيئة العالية بخلاف تصوُّر بعض الجّهال وإن كان بعض من الآيات النازلة أحياناً يُتخذ له مكان معين في سورة خاصة بأمر من النبي صلىاللهعليهوآله.
وجملة : «من مثله» تتضمن معنى شيء يكون على شاكلة القرآن في كل أوصافه التي تشمل (الفصاحة) و (بلاغة الألفاظ) مع المحتويات والمعارف القيّمة (١).
والشاهد على هذا الكلام ما ورد في قوله تعالى : (فَأتُوا بِسُورَةٍ مِثلِهِ). (يونس / ٣٨) ونقرأ في قوله تعالى : (فَلَيأتُوا بِحَديثٍ مِّثلِهِ). (الطور / ٣٤)
وعلى هذا الأساس يستبعد كثيراً احتمال عودة ضمير (مثله) إلى النبي صلىاللهعليهوآله بأنّ يكون معناها : إذا كنتم مرتابين في أصل هذه الآيات السماوية فأعثروا على رجل مثل محمد صلىاللهعليهوآله لم يكن قد درس على الاطلاق وأتوا بآيات تناظر الآيات التي أتى بها.
إنَّ هذا المعنى بعيدٌ وإن ذكرهُ جماعة من المفسرين إمّا على وجه الاحتمال أو على وجه القبول.
ويحتمل أيضاً اجتماع التعبيرين في هذا المعنى ، ويصير مفهومه بهذا الشكل : آتوا بسورة مثل سور القرآن من شخص لا يعرف القراءة والكتابة ، كالنبي صلىاللهعليهوآله.
والحديث الذي ورد في «تفسير البرهان» جمع هذين المعنيين في عبارة واحدة (٢).
وعلى كل حال يقول عز من قائل في تعقيب هذه الآية : (فَإِنْ لَّم تَفعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقُودُها النَّاسُ وَالحِجَارَةُ اُعدَّتْ لِلكَافِرِينَ).
__________________
(١) وبناء على ذلك فإنّ (من) إمّا زائدة أو بيانية.
(٢) تفسير البرهان ، ج ١ ، ص ٦٧. ح ١.