وتضمنت الآية الرابعة أيضاً التحدي بالاتيان بسورة تشابه سور القرآن فيقول عزوجل : (امْ يَقولُونَ افتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بسُورَةٍ مِّثلِهِ وادعُوا مَن استَطَعتُم مِّن دُونِ اللهِ ان كُنُتم صَادِقِينَ).
إنّ لفظة «سورة» تشمل السور الطوال والقصار في القرآن ، والتعبير (بمثله) إشارة إلى مماثلته من جميع الجهات ، وجملة : (وَادعُوا مَنِ استَطَعتُمْ مِّن دوُنِ اللهِ) شاملة لكل ما سوى الله تعالى.
فعلى هذا الأساس إذا كان القرآن نتاج فكر بشري ، فإنّ إنساناً آخر يستطيع أن يأتي بمثله فضلاً عن أن يستعين أيضاً بأشخاص لا يحصون ، وبالأخص مع كثرة وجود الفصحاء والبلغاء في أوساط العرب الجاهليين سابقاً.
ويستفاد ضمنياً من هذه الآية والآيات السابقة أنّ أفضل طريق للوصول إلى الأهداف المهمّة هو الاستفادة من الأطروحات المشتركة ، وقد ذكر القرآن ذلك في الوقت الذي لم تكن مسألة الاجتماعات والمؤتمرات للوصول إلى حقائق المسائل المهمّة مطروحة على صعيد الواقع وحتى مساعي وجهود العلماء كانت تتخذ صبغة فردية وشخصية.
* * *
في الآية الخامسة ذكر هذا المعنى نفسه في قالب آخر ، يقول عز من قائل : (امْ يَقولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَّايُؤمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثلِهِ إن كَانُوا صَادِقِينَ).
و «تَقَوَّلَ» : مأخوذة من لفظة (تَقُّول) بحسب ماورد عن المرحوم «الطبرسي» في مجمع البيان : هو بمعنى الكلام الذي يختلق ويفتعل بتكلف ومشقة ، ويستعمل عادةً في الكذب والزور ، لأنّه ليس من الواقع في شيء ولايخلو من تكلف (١).
ويمكن الإشارة «بحديث مثله» إلى تمام القرآن أو بضع سور أو سورة واحدة ، أو حتى أقل من ذلك لاطلاق كلمة (الحديث) على كل منها.
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ١٦٨.