لها ويقدمون لها القرابين حتى تصير واسطة للفيض والشفاعة بينهم وبين الله تعالى ، وكان يصل بهم الأمر أحياناً إلى أن يصنعوا أصناماً من التمر ، واتفق في احدى سني القحط أن خلت منازلهم من الطعام فحملوا على آلهتهم التي صنعوها بأيديهم فأكلوها ، ومن شواهد هذه القصة هو الشعر الذي لا يزال شاخصاً بين أشعار عصر الجاهلية :
أكلت حنيفةُ ربَّها عامَ التقحمِ والمجاعه |
|
لم يحذروا مِن ربّهم سوءَ العواقبِ والتباعه |
وهذه الأفكار هي من أسوأ الأفكار خرافية وانحطاطاً وأكثرها سخافة والتي يمكن أن تخطر في ذهن إنسان.
إنّ الأكثرية الساحقة من عرب الجاهلية تعتبر الملائكة بنات الله ، في حين أنّهم أنفسهم كانوا ينفرون من مجرد سماع اسم البنت ـ لما أُثر عنهم من تحقيرهم للمرأة في تلك البيئة ـ كما نقرأ ذلك في قوله تعالى : (وَاذَا بُشِّرَ احَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحَمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ). (الزخرف / ١٧)
وتوجد هناك مسائل خرافية اخرى كثيرة يطول شرحها سواء في مبحث المعرفة الإلهيّة أو في مبحث المعاد وغيرها.
وعندما نشاهد شخصاً ظهر من تلك البيئة يدعو إلى التوحيد الخالص والمعارف الأصيلة ببيان دقيق يذعن له كبار الفلاسفة ، حينئذٍ لا يعترينا الشك بأنّ بيان مثل هذه المعارف لا يصدر إلّامن الله عزوجل ، وليست هناك أدنى مبالغة في هذا القول ولا حاجة إلى قطع طريق بعيد طويل للتوصل إلى الحقيقة ، فاذا القينا نظرة على المجلد الثاني والثالث من هذا الكتاب «نفحات القرآن» حيث تضمن المجلد الثاني بحثاً عن الله سبحانه وتعالى والثالث حول معرفة الله لاطلعنا على سعة المعارف القرآنية وعمقها ، وكذلك الحال بالنسبة إلى المعاد في القرآن فقد افرد له بحث واسع في المجلد الخامس والسادس من نفحات القرآن.
لذا نقف هنا عند البحث الإجمالي ونكتفي باشارات عابرة في هذا المجال ، الغرض منها