ان نعود بقرّائنا الأعزاء إلى المجلدات السابقة.
وبالرغم من سيطرة فكرة الشرك بالله وعبادة الأصنام على تلك البيئة بحيث لا يجرؤ احد على النيل من هذه العقيدة بادنى لوم أو اعتراض ، انبرى القرآن بقاطعية كاملة إلى ضرب تلك العقيدة الخرافية ، فتارة ينقل ذلك على لسان إبراهيم الخليل عليهالسلام فيقول : (قَالَ افَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَالَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ* افٍّ لَّكُم وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ افَلَا تَعْقِلُونَ). (الأنبياء / ٦٦ ـ ٦٧)
وتارة اخرى يقول في صدد قصة عجل السامريّ الذي أصبح مورداً لإغواء عدة من جهال بني اسرائيل واغترارهم به : (افَلَا يَرَوْنَ الَّا يَرْجِعُ الَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرَّاً وَلَا نَفْعَاً). (طه / ٨٩)
وبجملة مختصرة : إنّ القرآن يندِّد كثيراً بالشرك ويذم عبادة الأصنام بحيث إنّه يعفو ويصفح عن جميع الذنوب ما عدا الشرك ، فيقول : (انَّ اللهَ لَايَغْفِرُ انْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى اثْمَاً عَظِيَماً). (النساء / ٤٨)
إنّ هذا التنديد القاطع والحاسم بفكرة عبادة الأصنام يعدّ بحق أمراً فريداً من نوعه ؛ لأنّ هذه الفكرة تعتبر سُنّة معروفة للأجداد ، والثقافة الرائجة في جميع أنحاء تلك البيئة بحيث إنّ العدول عنها يُعد من عجائب الامور ومورداً لكل أنواع الذم والتقريع ، أمّا نحن ففي الوقت الحاضر نلقي نظرة عفوية على هذه الآيات ونعتبرها أمراً عادياً بغض النظر عن أنّ تلك البيئة كانت تعيش ضمن ظروف وأوضاع خاصة تختلف عن أوضاعنا ، هذا من جانب ومن جانب آخر عندما يشرع في بحث التوحيد ، يعمد إلى طرح الدلائل الفطرية والمنطقية و (برهان النظام) و (برهان الصديقين) بشكل لا يتصور الإنسان ما هو أروع منه.
ويشير في بحث التوحيد الفطري إلى المسألة التي كانت تحدث في حياة كل أولئك الناس وبأشكال مختلفة فيقول : (فَاذَا رَكِبُوا فِى الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الّدِينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ الَى البَرِّ اذَا هُمْ يُشْرِكُونَ). (العنكبوت / ٦٥)
وبهذه الطريقة يبيّن استقرار نور التوحيد في أعماق وجودهم ووجدانهم ، ويزيح النقاب