عن طوفان الحوادث تلك الشعلة المستترة في أقبية الجهل والجاهلية ، فعندما يأتي إلى التوحيد الاستدلالي يقول في جملة مختصرة : (أَفِى اللهِ شَكٌ فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالارْضِ). (إبراهيم / ١٠)
بعد هذا البيان الإجمالي يأخذ بيد البشرية ويجوب كل نقطة من نقاط هذا العالم الفسيح ليريهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم واحدة تلو الاخرى فتارة يقول : (وَفِى الارْضِ آيَاتٌ لِّلمِوقِنِينَ* وَفِى انْفُسِكُمْ افَلَا تُبْصِرُونَ). (الذاريات / ٢٠ ـ ٢١)
ثم بالبراهين المفصلة على عظمة الله تعالى وقدرته وحكمته في السماءوالنجوم والأرض ، والنباتات والطيور ، والليل والنهار ، والهواء والمطر .... فيستأنس الإنسان عند البحث فيها وتأخذه حالة سرور غامر (١).
ونجده يبدي رأيه أيضاً حينما يشرع في بحث الصفات الإلهيّة وهو من أعقد الأبحاث العقائدية وواحد من أهم المنزلقات الفكرية المحيرة لكثير من العلماء ؛ ففي أحد المواضع يكرم الله تعالى وينزهه من أي نوع من الصفات الممكنة المحدودة الناقصة ، فيقول في جملة مختصرة : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ). (الشورى / ١١)
وعلى هذا الأساس ينفي عنه جميع الأوصاف الممكنة ، ويثبت له الصفات الجمالية والكمالية المنقطعة النظير.
ويتوسع في كلامه أحياناً فيقول : (هُوَ اللهُ الَّذِى لَاالهَ الَّا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيْمُ* هُوَ اللهُ الَّذِى لَاالهَ الَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ* هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ لَهُ الاسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمواتِ وَالارْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ). (الحشر / ٢٢ ـ ٢٤)
وفي الواقع أننا لو عقدنا مقارنة بين الوصف الذي رسمه القرآن في عدّة آيات عن خالق الكون وبين الرؤية التي يمتلكها المشركون والانطباعات السائدة في بيئة ظهور القرآن عن الله تعالى ، لما أمكن تصور أن هذا البيان الساطع الفريد من نوعه هو وليد تلك البيئة الخرافية المظلمة اطلاقاً.
__________________
(١) شرحنا هذه الآيات تحت عشرين عنواناً في ج ٢ ، من هذا التفسير.