فيه ، ثم هو يظهر صدقية وانسجام البيان النبوي والإمامي لشؤون الدين ، وحقائق الإيمان من حيث إنها تخاطب الفطرة ، والوجدان ، والضمير ، والعقل ، وتفرض النظرة التأملية لحالات الواقع ومزاياه ، للانسجام معه في كل حركة تعنيه ، وفي كل اتجاه.
أما أبو جهل ، وأبو سفيان ، وكذلك فراعنة قريش الذين قتلهم بغيهم في بدر ، وأحد ، والأحزاب ، وغيرها .. فقد كانوا يرون المعجزات والكرامات في أتم تجلياتها .. ولكنهم اتخذوا سبيل الجحود والعناد ، ولم يسلم من أسلم منهم ، ولكنه استسلم للأمر الواقع ، وبقي يسبح في مستنقع آسن من الكيد والتآمر على الحق ، وأهل الحق ..
«السّبيل» .. وليس الطريق! :
وأما لما ذا قال تعالى : هديناه «السّبيل» ، ولم يقل : «الطريق».
فلعل سببه هو أن كلمة الطريق ، إنما تدل على مجرد وجود موضع ممتد يسلكه الناس ، وهو قد يكون واضحا ، وقد يكون خفيا ، وقد يكون واسعا ، وقد يكون ضيقا ، أما السبيل فهو الطريق وما وضح منه (١).
فخصوصية الوضوح إذن مأخوذة في السبيل ، ولا تفهم من كلمة «الطريق».
والهدايات الإلهية هي الأوضح والأظهر والأصوب ، وليس هداية الفطرة ، والإلهام ، والحس ، والمشاعر والوجدان ، والعقل ، والشرع ، إلا ضمانات يعضد بعضها بعضا ، ويشد بعضها أزر بعض .. فكلما عجزت وسيلة جاءت الأخرى الأقوى منها لتحل محلها .. وتنجز ما عجزت عنه ، فإن عجزت هداية الإلهام ،
__________________
(١) لسان العرب ج ٦ ص ١٦٢ ط دار إحياء التراث.