المزاج متأصل في عمق الذات :
وإذا تابعنا المعنى في سياقه الكنائي هذا ، وتجاوزناه إلى كونه قادرا على الإلماح إلى المعاني التي يراد الإيحاء بها إلينا على سبيل التعلم والإرشاد لكونها ممكنة في حقنا ، وإن كانت غير متصورة في حق الأبرار ، وهم الأئمة الأطهار عليهمالسلام ، فإذا تابعنا المعنى في هذا السياق فإنه يصبح بإمكاننا تصوره حقيقة كامنة في داخل وجود البشر وذواتهم .. فنتصور النفس الأمارة ، التي تسعى في العادة لإثارة روائح كريهة ، قد أصبحت أسيرة النفس اللوامة ، ويهيمن عليها العقل ، والشرع ، والفطرة الهادية ، وغير ذلك من وسائل الهداية ، التي أصبحت بمثابة الكافور الذي يهيمن على وجودهم كله بروائحه الطيبة والذكية ، والقاهرة والقوية ، ويبعث في النفس طمأنينة وسكونا ، وبردا ، وهدوءا ، يحجزها عن التوثب لما هو حرام ، وتحتفظ ـ من ثم ـ بحالة النقاء والصفاء ، والطهارة ، التي تتجلى للناس طيبا كافوريا ، رائعا وقويا ..
وتصبح النفس الأمارة مع الكافورية في عناق ، وفي انسجام ، وتمازج حقيقي ، وتصير أمارة بالصلاح وبالخير وبالتقوى ، بعد أن كان من المفروض أن تكون على ضد ذلك ، وتتحول بذلك هي والنفس اللوامة إلى بركان يفجر ويثير كل كوامن الخير والصلاح في تلك العين الغزيرة ، ويفجرها تفجيرا قويا بوسائل قادرة على هذا التفجير ..
وهذه الأصالة الحقيقية ، والتمازج الراسخ ، والنابع من عمق الذات ، يجعل كل قوى النفس : من غريزة ، وطموح ، وميزات وصفات ـ يجعلها ـ طافحة بالخير ، وتمثل طاقة وعنفوانا له ، وثورة فيه ، وتصبح كل هاتيك الغرائز والطموحات يهيمن عليها كافور النفس اللوامة ، مغمورة به ، يتعاونان على إنتاج المزيد من النقاء ، والطهر ، والخلوص ، والصفاء ..