نسبة ذلك إليهم لا تنسجم مع ما يقال من زهدهم .. وتعلقهم بالله وحده ..
ولكنه كلام غير دقيق ، فإن المقصود بالحب هنا ليس هو حب الطعام الذي يعني التعلق بزينة الدنيا ، وملذاتها .. بل هو حب فرضه الجهد في العبادة والنشاط في طلب رضا الله في النهار ، على قلة في الطعام ، وجشوبة في العيش ، وهو حب لا ينشأ من الرغبة بالتلذذ بل منشؤه الحاجة إليه لحفظ الحياة ، الذي هو تكليف إلهي شرعي ، لا بد لهم من امتثاله. فحبهم للطعام لا لذات الطعام ، وإنما لغيره .. على طريقة :
وما حب الديار شغفن قلبي |
|
ولكن حب من سكن الديارا |
حبب إلي من دنياكم ثلاث :
وبذلك يعلم المراد من الرواية عن رسول الله [صلىاللهعليهوآله] : «حبب إلي من دنياكم الثلاث : النساء ، والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة» (١).
فإنه [صلىاللهعليهوآله] لم يكن ليحب النساء ، والطيب ، لو لا أن الله سبحانه قد حبب ذلك إليه .. مما يعني أن ثمة تصرفا إلهيا في الشخصية النبوية ، وهو تصرّف تكويني ـ ربما من خلال اقتضاء الغريزة والفطرة ـ لا بد أن وراءه مصلحة كبرى ، لبناء حياة البشر ، وفق ما يحبه الله تعالى ويريد ..
فهذا التحبيب إذن ، لا يعني أن له [صلىاللهعليهوآله] تعلقا بتلك الأمور ، من حيث زينتها ، أو من أجل أنها تحقق له لذة دنيوية ، بل هي
__________________
(١) الحدائق الناضرة ج ١ ص ٢٦٤ و ٢٦٥ ، وراجع : المهذب البارع ج ٣ ص ١٧٣ ، ورسائل المحقق الكركي ج ٣ ص ٢٢٥.