«مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» :
وفي هذه الكلمات مباحث ، وخصوصيات عديدة ، نأمل أن نتمكن من أن نبين بعضا منها ، بحسب ما تصل إليه أفهامنا ، وتتسع له صدور ووقت الإخوة الأكارم.
فنقول :
١ ـ تنوين التنكير لماذا؟! :
إن أول ما يواجهنا هنا : أنه تعالى .. قد أورد هذه الكلمات : (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ، منونة بتنوين التنكير ، ولم يوردها محلاة بالألف واللام ..
وربما يكون السبب في ذلك هو أنه إذا قال : «المسكين ، واليتيم ، والأسير» فقد يوهم ذلك : إرادة خصوص المعهودين لديهم ، والمعروفين عندهم ، فيكون إطعامهم لهم ناشئا عن عدة دواع متمازجة ، ومتعاضدة في التأثير ، وفي الاندفاع إلى الإطعام .. لأن المعرفة بالشخص قد تدعو لإجابة طلبه ، وكذا لو كان ذا قرابة مثلا ، أو من قومه ، أو من بلده ، أو مرتبطا بذي قرابة ، أو بصديق ، أو جارا ، أو ما إلى ذلك ..
أما تنوين التنكير فهو صريح في أنهم يطعمون أي مسكين ، وأي يتيم ، وأي أسير كان ، ممن لا لون له ، ولا طعم ، ولا رائحة.
وذلك يدل على أن اليتم والمسكنة والأسيرية هي المحرك الإنساني ، وعلى أن الغاية هي وجه الله. وليس ثمة أية شائبة في هذا الخلوص ، وذلك الإخلاص .. فليس في نفوسهم أية آثار لمؤثرات دنيوية أرضية غير إلهية ، أو غير إنسانية.
فالدافع إنساني مرتبط بالمشاعر ، والهدف إلهي ، وقد تناغم هذا الهدف مع ذلك الداعي ، فكان هذا الإيثار العظيم ..