ومعنى ذلك : أن نفي الجزاء بقوله : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً ..) لا يعني أنه لا يطلب الشكر ، ولذا احتاج إلى التصريح بأنهم كما لا يريدون الجزاء ، كذلك هم لا يريدون الشكر أيضا.
ولكن لو طلب الباذل الشكر ، فذلك معناه أنه لا يريد الجزاء والمقابل ..
ولذلك نجد العقلاء لا يستسيغون من الباذل الذي يطلب الشكر ، أن يطلب الجزاء بعد ذلك .. بل هم يقبحون طلبه هذا .. ولكنهم لا يقبحون طلب الشكر بعد الحصول على الجزاء.
الشكور :
قلنا : إن الجزاء هو مقتضى الحق والعدل .. والعدل مرحلة لا بد من إنجازها ، ليتوصل من خلالها إلى ما هو أرقى ، وأسمى منها ..
غير أن العدل يمثل الخط الذي لا بد من الالتزام به ، ليتمكن الإنسان من الخروج من دائرة الخطر والهلاك.
لكن درجات الصعود على السلم للوصول إلى الغايات السامية ، تحتاج إلى جهد ، وعمل آخر يتمكن الإنسان من خلاله من الصعود عليها ، درجة إثر درجة ، ولهذا صح تشريع الجهاد ، وصح طلب الإيثار على النفس ، الذي مدحه الله سبحانه بقوله : (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ..)
وذلك لأن إعطاء الإنسان ماله لغيره ، يحتاج إلى دافع قوي ، حتى لو كان المعطي غير محتاج إلى ذلك المال ..
أما كان هو محتاجا له .. فإن إعطاءه للغير يحتاج إلى دافع أقوى وأشد ، ليقدم حاجة غيره ، على حاجة نفسه. وهذا هو الإيثار الذي