وأن الله حاضر في قلوبهم ، وفي وعيهم ، وفي كل وجودهم حضورا حقيقيا وتاما ، فلا يمكن أن يخلفوا أو أن يتوانوا في الوفاء بتعهداتهم أمامه جلّ وعلا ..
قيمة الوفاء بالنذر :
وقد يزعم زاعم أنه ليس في الوفاء بالنذر ما يميزه عن غيره ، فإن الصلاة مثلا ، عمود الدين ، فهي أهم منه ، وهي أولى بالذكر من الوفاء بالنذر ، وكذلك الحال بالنسبة للجهاد في سبيل الله ، والحج إلى بيت الله .. وغير ذلك ..
فلماذا جاء التنصيص على خصوص الوفاء بالنذر ، دون سواه ..
ونقول في الجواب :
إن ما تقدم من إشارة إلى أهمية وقيمة الوفاء بعهود الله سبحانه قد يكون كافيا في بيان لزوم البدء بهذا الأمر هنا ، من حيث إن الوفاء بعهود الله هو العنوان الأوسع والأتم ، والأكمل ، لسائر عناوين الطاعة والانقياد ، ومنها فريضة الصلاة ، والحج ، والزكاة ، وما إلى ذلك ، غير أننا نود أن نزيد هنا : أن الله سبحانه لا يريد أن يعطي هنا صورة عن حجم العمل وصعوبته ، وإنما يريد أن يقدم لنا كواشف وجدانية وواقعية عن الحد الذي وصل إليه ذلك البرّ العابد في بناء إنسانيته ، وفي تأثير ميزاته الإيمانية والإنسانية ، في ممارسته العملية ، وفي بناء وجدانه. حتى إن نذرهم في مورد نزول السورة ، كان هو خصوص الصوم. المقرب إليه تعالى ، بما للصوم من رمزية للكثير من المعاني ، ولم ينذروا بذل مال ، أو نحوه ..
وقد تكون هذه الأمور التي نتخيل أنها غير ذات أهمية ، أعظم وأقوى في كشف هذه الحقيقة.