أن الهداية للإنسان قد بدأت مذ خلقه الله نطفة ، حيث صاحب هذا الخلق له إعطاءه الحالات والميزات التي بدأ من خلالها مسيرته التكاملية ، فهو خلق لوحظ فيه مضمون المخلوق ، وحالاته ، وأشكاله ، وتفاصيله .. وروعيت أيضا في كيفية خلقه ، وأوضاعه ، وكونه أمشاجا ، أن يكون أهلا للابتلاء ، ثم انتقل إلى الابتلاء الذي من شأنه أن ينقله إلى مراتب أعلى .. فأوصله ذلك إلى درجة السميعية والبصيرية ..
فالهدايات إذن قد بدأت منذ نشأة الإنسان ، فكانت له الهداية التكوينية ، ثم الإلهامية ، ثم الحسية ، ثم الفطرية ، ثم الغريزية ، ثم العقلية ، ثم التشريعية ، وهذا معناه أنه لو قال : فهديناه السبيل ، لكان المراد بالهداية هنا هي الهداية التشريعية ، لكنه لما قال : (إِنَّا هَدَيْناهُ ..) عرف أن المراد : أن هدايته قد صاحبته منذ بداية خلقه ..
غير أن التأمل الدقيق في هذين الفهمين لمسار الكلام في الآيات يعطي : أن كلا من هذين السياقين متمم للآخر ، وليس مختلفا معه. فإن وجود الهدايات للإنسان منذ بدء تكوينه ، لا يأبى عن كونه لا يزال محتاجا إليها أيضا حتى بعد حصوله على السميعية والبصيرية ، وذلك ظاهر لا يخفى ..
«هديناه» :
والهدايات التي أشرنا إليها آنفا ، هي التالية :
١ ـ الهداية التكوينية ، ونشوء الإنسان وفق السنن ، ولا يتعلق غرضنا بالحديث عنها ..
٢ ـ الهداية الإلهامية ، ومصدرها الله سبحانه .. من قبيل هداية الجنين إلى مص إصبعه ، وهو في الرحم ، ثم اندفاعه بعد ولادته لالتقام ثدي أمه.