فذلك يختزن احتمالين :
أحدهما : أنك تستحق الجزاء والشكر ، ولكنك لا تطلبهما منه. ولعله لو أعطاك الجزاء من عند نفسه ، فلا تكون منزعجا ، بل قد تكون مسرورا.
الثاني : أنك لا تريد ذلك ، بسبب عدم الاستحقاق ، فهو من قبيل القضية السالبة بانتفاء موضوعها. وحيث إن هذا النوع من القضايا مما لا ضرورة لإجراء الكلام على وفقه ، فينحصر الأمر في الاحتمال الأول ..
«لا نريد» مرة ثالثة :
وهنا أيضا سؤال آخر في الآية ، وهو أنه لماذا قال تعالى : (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً ..)
ولم يقل : لا تجازوني ولا تشكروني ، ألا يكون ذلك أوقع وأشد في رفض الجزاء والشكر ، وفي تطمين السائلين إلى سلامة النوايا؟! ..
ويمكن أن يجاب : بأن هذا التعبير «لا تجازوني ، ولا تشكروني» يستبطن تعليما سيئا ، وخطأ جسيما .. لأن المفروض بالإنسان هو أن يعيش المعاني الإنسانية في داخل ذاته ، وأن يشعر مع الآخرين ، ويشاركهم في قضاياهم ..
وقولك له : أريد منك أن تكون غير شكور وغير شاعر بالامتنان تجاه من يحسن إليك ، يماثل قولك له : أريد أن لا تكون إنسانا ، يشعر بقيمة الإحسان.
فكأنك تقول له : انقض أحكام عقلك ، وفطرتك ، وأخلاقك ، ولا تصغ لقوله تعالى :
(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)!!
فهل يعقل هذا؟! ..