وبهذا القيد الأخير يعرف الفرق بين البر ، وبين الخير. فإن الإنسان قد يفعل الخير ، ولكن من دون قصد إليه ، بل يتخيل أنه شر ، أو أنه ليس متصفا بالخيرية ، ولأجل ذلك تجده تعالى يقول : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) (١).
وإذ قد اتضح لنا المراد بالبر ، فإنه يتضح لنا الجواب على السؤال عن سبب استبدال كلمة الشاكرين ، بكلمة الأبرار.
فإن كلمة شاكر خاصة بمعنى من ظهر منه العرفان بالجميل ، كردة فعل طبيعية تجاه المنعم ، فيبادر إلى فعل ما يظهر حالة الشكر هذه ..
لكن كلمة الأبرار تستبطن كل هاتيك المعاني الواسعة في دلالتها ، وفي إيحاءاتها ..
وبذلك يتضح أيضا : لماذا لم يعبر بكلمة «المؤمنين» بدلا من كلمة «الأبرار» ، إذ قد لا يفهم من هذه الكلمة سوى حالة واحدة ، هي الإشارة إلى الحصول على حالة الأمن في ظل اعتقاد بعينه ، وهو معنى قد حشر في زاوية صغيرة ومحدودة .. وبذلك ينحسر المعنى عن الآفاق الرحبة التي تتولى كلمة الأبرار الكشف عنها ، والدفع إليها ..
انسجام المعاني .. مع الآيات :
فاتضح : أن كلمة الأبرار تستبطن معان واسعة لها أهميتها البالغة ، ولها ارتباط وثيق بمعان وصفات ومزايا تريد الآيات التالية أن تؤكد عليها.
وهي كما قلنا ستة معان ، مشروطة أيضا بالقصد والاختيار ، فهي تشير إلى معنى القاهرية ، الذي يلمح إلى قهر الإنسان للشيطان ، ولجم
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢١٦.