اختلاف سياق الآيات :
والذي يقرأ آيات هذه السورة يجد أن السياق قد اختلف في بيان النعم الإلهية للأبرار ..
فهو حين ذكر صفات أفعال الأبرار ، لم يذكر أي نعمة ، إلا نعمة الشرب من عين كان مزاجها كافورا .. كما أنه قد اعتبر أن هذا الشرب هو فعل للأبرار ، يمارسونه باختيارهم وبإرادتهم .. وأنهم هم الذين يثيرون العين التي يشربون منها ، ويفجرون ماءها تفجيرا ..
وهذا السياق منسجم تماما مع السياق الذي بيّن به صفات أفعالهم في الدنيا ..
وكأنه يريد أن يقول لنا : إن هذا الشرب ، وإن كان أخرويا ، لكنه لم يأت على سبيل الجزاء ، وإنما جاء تجسيدا لفعلهم في الدنيا ، فهو شبيه بفعل المطاوعة الذي هو نتيجة الفعل من الفاعل ، كما في قولك : كسرته فانكسر ، أو لويته فالتوى ، ونحو ذلك ..
ولأجل ذلك ، نسب الشرب إليهم ، وأنه .. بفعلهم واختيارهم ، ثم ذكر أن ما يشربونه يكون مزاجه من جنس الكافور. أما الذي سوف يعطى لهم على سبيل الجزاء ، فهو من جنس آخر ، وهو الزنجبيل ، وسيأتي إن شاء الله الحديث عن الفرق بينهما ، وعن سبب اختيار «الزنجبيل» بالذات ..
للتوضيح والبيان :
ولكي تتضح الخصوصية التي أراد الله سبحانه أن يفهمنا إياها من خلال التبديل السياقي للآيات ، نقول : إنه تعالى حين أراد أن يصف حالهم وأعمالهم قال : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً).