والتأمل والتعقل ..
وكل ذلك يرمز إلى حالات نفسية ، وصفات ومزايا يرغب بها الأبرار ، ويسعون إليها ، بحسب المعاني المتكثرة التي تختزنها كلمة : «الأبرار» حسبما ألمحنا إليه فيما سبق.
ولكن ذلك كله في الحدود التي رسمها الله لعباده ، من دون ابتداع في الدين لما لم يكتبه الله على الناس ..
والأبرار هنا هم الذين يشربون ، أي يختارون الشرب من كأس مزاجها كافورا ، كما يختارون سواه ، مثل أنهم يوفون بالنذر ، ويطعمون الطعام ، ويخافون ، و.. الخ.
فكلمة «يشربون» كأنها تشير إلى معنى كنائي عن دخول الإيمان والإخلاص والتقوى ، والعمل في عمق وجودهم ، فهو كما يقال : شرب كأس الموت ، وشرب كأس العلم ، وما إلى ذلك ..
فهي عين لا تنضب ، بل تستغرق كل وجودهم ، وتفجر فيهم الطاقات الإنسانية ، تفجيرا ، كما سيأتي.
حذف متعلق الشرب :
وربما يمكن تأييد أن الحديث إنما هو عن فعل الأبرار في هذه الدنيا ، بأن المتعلق للشرب لم يذكر في الآية. فلم يقل : يشربون أي شيء!! فهل يشربون ماء ممزوجا بالكافور؟ أم يشربون لبنا ، أم عسلا ، أم ما ذا؟!
وربما يكون ذلك لإفساح المجال لفهم ذلك المعنى الكنائي المستوعب ، لكل ما تقتضيه صفة الأبرارية ، التي تتسع للعديد من المعاني ، وتكون معاني الأبرارية فيهم هي التي جعلتهم يفجرون تلك العين تفجيرا عظيما ..