عودة إلى كلمة «الإنسان» :
ونعود لتوضيح ما نرمي إليه هنا ، فنقول :
لو أن كلمة (الْإِنْسانِ) في الآية استبدلت بكلمة «البشر» لا نصرف الذهن إلى الإنسان المتجسد في الأفراد ، كزيد ، وبكر ، ولدخل في وهم السامع : أن الحديث هو عن هذا الوجود المادي للإنسان. فهو من حيث جسميته له بشرة بادية .. ولا بد أن يتحصص ويتشخص في مكان ، ويتقيد بزمان .. ولا بد أن له حالات وأطوارا ، من قيام وقعود ، وصحة ومرض .. وكبر وصغر ، ولحم ، ودم ، وعظم ، وعضلات ، ويشبع ، ويجوع ..
فيمكن أن يكون الحديث عن بشريته ، بمعنى تكوين جسمه ، وعن عوارض الأمراض ، وعن خريطة عروقه وشرايينه ، وعن عظامه ، وحالاتها وأمراضها ، أو عن كونه حيا ، له روح ، ونفس ، ومشاعر ، وأحاسيس. فما هي حقيقة تلك الروح أو النفس ، وما هي حالاتها ، وكيف تتأثر وتؤثر .. إلخ ، أو عن مدى تأثيره بغيره ، أو عن علاقته بربه ، وبمجتمعه ومحيطه ، ونشاطه السياسي ، وعلاقاته الاجتماعية ، أو عن النظم والأجهزة ، والمؤسسات ، والسياسات التي يحتاجها .. أو عن مكوناته الإنسانية ، بما له من ملكات ، ومزايا ، كالشجاعة ، والكرم ، والعدالة ، وغير ذلك.
مع أن ذلك كله ليس هو محط النظر الأساس في هذه الآية المباركة ، وإن كان غير بعيد عن أجواء الحديث ، بل المقصود هو تناول طبيعة الإنسان ، وحقيقته ، بما له من مزايا إنسانية .. من دون أي تركيز على خصوصية بعينها من كل ذلك الذي ذكرناه آنفا ، أي أن السؤال هو عن الإنسان مطلقا في أي مرتبة من مراتب وجوده ، وفي أية حالة كان ، وبأية صفة اتصف ، وعلى أي مزية حصل .. لا من حيث كونه موجودا ماديا وحسب ، بل من حيث كونه حاصلا على مزاياه الإنسانية كلها ، أو في طور الحصول عليها كلها ، أو بعضها ،