ومن جهة أخرى : فإن بعض الروايات تذكر : أن آخر ما يحاول فيه إبليس أن يضل به الإنسان هو : أنه حين يحضره الأجل يعطش عطشا شديدا ، فيعرض عليه إبليس قدحا من ماء ، ويقول له :
«إن سجدت لي أسقيك منها ، فإذا سجد له ، لم يسقه أيضا منها ، ويموت كافرا» ..
«من كاس» :
ثم إنه قد جاء التعبير في الآية بكلمة «كأس» دون كلمة قدح ، أو كوب. ثم إنه قال : (مِنْ كَأْسٍ) ، ولم يقل بكأس .. فلما ذا يا ترى كان ذلك؟
وللإجابة على ذلك نقول :
يقول أهل اللغة : إن القدح قد يكون مملوءا ، وقد يكون فارغا. وكذلك الكوب. أما الكأس ، فلا تكون إلا مملوءة ، فلا يقال : أعطني كأسا فارغة مثلا ..
وذلك يوضح لنا : أن اختيار كلمة «كأس» إنما هو لأجل بيان حالة الوجدان المستمر والدائم لما يشربونه ، فهي دائمة الاتصاف بكونها كأسا ..
وبذلك يكون تعالى قد جعل الأبرار يعيشون :
١ ـ لذة الشرب ..
٢ ـ لذة الطمأنينة إلى وجدان مشروبهم ..
٣ ـ لذة استمرار وجدانهم له.
فما دامت الكأس موجودة ، فلن يواجههم عطش بعد الآن ، فتتوافق اللذة القلبية الشعورية مع لذة الحس بالمشروب ، وموافقته للمطلوب ..
وبهذا يتضح أيضا سبب التعدية ب «من» لا ب «الباء» ..