«إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ» :
والناس حين يسخون ويبذلون أموالهم للمسكين ، أو اليتيم ، أو الأسير ، قد يفكرون ، أو يفكر بعضهم : أن يكون هذا المسكين ، أو ذلك اليتيم ، وحتى الأسير عونا وسندا ، وعضدا لهم في يوم مّا ، ولو بأن يؤيدهم في موقف ، أو يرد عنهم ، ولو بكلمة .. أو يحسّن صورتهم أمام الآخرين .. وقد يصبح الأسير أقل تحمسا للعودة إلى مناجزتهم الحرب في مستقبل الأيام. لا لأجل القناعة الفكرية بما هم عليه ، بل لأجل هذا الإحساس بالمديونية للباذلين ..
ولكن هذه الآيات الشريفة ، قد أظهرت أن هؤلاء الباذلين لا يريدون ممن يبذلون له ، ما هم أحوج إليه منه ، جزاء ، ولو بهذا المقدار ، بل حتى ولو في حد الشكر .. وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى ..
بل إن الأهم في هذا البيان القرآني ، والهدي الإلهي ، هو أنه تعالى يريد أن يبين لنا كيف يريد الإسلام أن يصنع قلب الإنسان ، فهو يريده رؤوفا ، رحيما ، عطوفا ، ودودا ، فياضا بالحب ، زاخرا بالمشاعر الإنسانية ، عامرا بالإيمان بالله ، مؤثرا له على كل شيء في هذا الوجود.
إن الإسلام يريد أن يغرس ذلك في كيان الإنسان ، وفي عمق وجوده ، ليصير هو العنصر الفاعل والحي في تكوينه الداخلي. إذ إن إنسانية الإنسان لا تفرض عليه قسرا ، كما أنها لا تأتيه مجانا .. وبلا طلب وسعي وجهد .. بل هي تحتاج في الحصول على كثير من ميزاتها وخصائصها إلى المبادرة والاختيار منه ، وإلى جهد ، وعمل ، وكد ، وتعب ، وبذل .. وعطاء ..
كما أن ما يكون كامنا في فطرة الإنسان ، وما يفيضه الله عليه ابتداء ،