المطر ولا ينبت شيء ، وقد تضرم النار ، ويمنعها الله من الإحراق ، وقد يقارب الإنسان زوجته ، ثم لا يحصل الحمل ، لأن الله تعالى لم يأذن في ذلك كله .. فناسب التعبير عن الذات الإلهية في مثل هذه الموارد بصيغة الجمع .. إظهارا للعزة الإلهية من جهة ، وإظهارا لما للأسباب التي جعلها الله سبحانه من دور في هذا النظام الكوني العتيد ، من جهة أخرى ..
وفيما يرتبط بالآية المباركة التي هي موضع البحث نقول :
إنه قد لوحظ فيها طريقة نشوء الإنسان ، وأنه من نطفة أمشاج ، في إشارة إلى أنه جار وفق سنة طبيعية ، ودور إعدادي ، وتهيئته بصورة تجعله قابلا للفيوضات الإلهية في مراحل تكونه الإنساني الذي يؤهله للاختبار ، الذي ينشأ عنه صيرورته سميعا بصيرا.
«خلقنا» :
ونصل إلى قوله تعالى (خَلَقْنَا) ، فنقول : إن الخلق قد يستعمل ويراد به إبداع الشيء من العدم .. ولعل قوله تعالى : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (١) وكذا قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) (٢) قد جاء بهذا المعنى ..
ولكن الفرق بين الخلق والإبداع ، الوارد في قوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣) .. هو أن الإبداع يلحظ فيه مجرد خروج الشيء من العدم ، أما الخلق فيلاحظ خروجه من العدم بما له من مادة وهيئة.
__________________
(١) سورة مريم الآية ٩ ، وراجع نفس السورة الآية ٦٧.
(٢) سورة الأعراف الآية ١١.
(٣) سورة البقرة الآية ١١٧.